للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِذَلِكَ قُلْنَا لَا يَسْتَوْجِبُ السَّهْمَ الْكَامِلَ وَانْقَطَعَتْ الْوِلَايَاتُ كُلُّهَا بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ عَجْزٌ وَلِذَلِكَ بَطَلَ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ عَلَى النَّاسِ ابْتِدَاءً.

ــ

[كشف الأسرار]

لِلْبَدَنِ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ اسْتَثْنَى مَنَافِعَ بَدَنِهِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ نَظَرًا لِلْعَبْدِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْبَعْضِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْقِتَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى بِالْإِجْمَاعِ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَوْجَبَ نَقْصًا فِيهِ قُلْنَا لَا يَسْتَوْجِبُ الْعَقْدُ السَّهْمَ الْكَامِلَ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِحَالٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ إنْ حَضَرَ وَلَمْ يُقَاتِلْ لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَوْلَاهُ الْتَزَمَ مُؤْنَتَهُ لِلْخِدْمَةِ لَا لِلْقِتَالِ بِهِ فَكَانَ كَالتَّاجِرِ وَإِنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ يُرْضَخُ لَهُ وَلَا يُسْهَمُ وَعِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبْدِ» وَتَمَسَّكَتْ الْعَامَّةُ بِحَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَرْضَخُ لِلْمَمَالِيكِ وَلَا يُسْهِمُ لَهُمْ» وَبِأَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُجَاهِدٍ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَالْقِتَالِ وَلَا يَسْتَوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُرِّ الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لِلْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ لِمَعْنَى التَّحْرِيضِ.

فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَفَلَ عَامًا بِأَنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَرُبَّمَا كَانَ سَلَبُ قَتِيلِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ الْحُرِّ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ قُلْنَا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ السَّلَبِ بَعْدَ التَّنْفِيلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْإِيجَابِ مِنْ الْإِمَامِ وَلَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَرَامَةِ وَالْعَبْدُ أَنْقَصُ حَالًا فِي أَهْلِيَّةِ الْكَرَامَاتِ مِنْ الْحُرِّ أَلَا يُرَى أَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فِي التَّنْفِيلِ يَسْتَوِي بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّضْخِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ أَنَّهُ قَالَ «شَهِدْت خَيْبَرَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ فَلَمْ يُسْهِمْ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَذَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَالْمَبْسُوطِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْمَحْجُورَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الرَّضْخَ فَأَمَّا الْمَأْذُونُ لَهُ فِي الْقِتَالِ فَيَسْتَوْجِبُ السَّهْمَ الْكَامِلَ لِالْتِحَاقِهِ بِالْحُرِّ بِالْإِذْنِ وَهْمٌ.

قَوْلُهُ (وَانْقَطَعَتْ الْوِلَايَاتُ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ مِثْلُ الذِّمَّةِ وَالْحِلِّ وَالْوِلَايَةِ فَبَيَّنَ الذِّمَّةَ وَالْحِلَّ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْوِلَايَةِ يَعْنِي لَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ مِثْلُ وِلَايَةِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَغَيْرِهَا لِلْعَبْدِ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْقُدْرَةِ الْحُكْمِيَّةِ إذْ الْوِلَايَةُ تَنْفِيذُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ فَيُنَافِي الْوِلَايَةَ كَمَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْوِلَايَاتِ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ التَّعَدِّي مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ التَّعَدِّي وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ تَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِانْقِطَاعِ الْوِلَايَاتِ كُلِّهَا بِالرِّقِّ بَطَلَ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَنْ الْقِتَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - صَحَّ أَمَانَةً لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَهْلِ نُصْرَةِ الدِّينِ بِمَا يَمْلِكُهُ وَالْإِيمَانُ نُصْرَةُ الدِّينِ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْكُفَّارِ عَنْهُمْ وَالنُّصْرَةُ بِالْقَوْلِ مَمْلُوكَةٌ لَهُ إذْ لَيْسَ فِيهَا إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِوَجْهٍ فَكَانَ الْعَبْدُ فِيهَا مِثْلَ الْحُرِّ بِخِلَافِ الْقِتَالِ بِالنَّفْسِ فَإِنَّهُ نُصْرَةٌ بِمَا لَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى عَنْ مَنَافِعِهِ وَتَعْرِيضَ مَالِيَّتِهِ لِلْهَلَاكِ فَلَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ وَلِأَنَّهُ بِالْإِيمَانِ يَلْتَزِمُ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ثُمَّ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>