للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجِهَادِ أَصْلًا وَإِذَا كَانَ مَأْذُونًا بِالْجِهَادِ لَمْ يَصِرْ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ لَكِنَّ الْأَمَانَ بِالْإِذْنِ يَخْرُجُ عَنْ أَقْسَامِ الْوِلَايَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الْغَنِيمَةِ فَلَزِمَهُ ثَمَّ تَعَدَّى فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ مِثْلُ شَهَادَتِهِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ.

ــ

[كشف الأسرار]

لِأَنَّهُ يَمْلِكُ عَقْدَ الذِّمَّةِ فَيَمْلِكُ الْإِيمَانَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ مِنْهُ تَصَرُّفٌ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمَوْلَى كَالشَّهَادَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَلَا فِي أَنْفُسِهِمْ اغْتِنَامًا وَاسْتِرْقَاقًا حَتَّى لَوْ قَاتَلَ لَا يَمْلِكُ الرَّضْخَ بَلْ يَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْقَتْلِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى شَرْعًا.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ تَبَيَّنَ أَنَّ إيمَانَهُ تَصَرُّفٌ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْوِلَايَةِ فِي نَفْسِهِ وَالْكَمَالُ فِي حَقِّهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْحُرِّيَّةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْجِهَادِ أَصْلًا يَعْنِي أَنَّ الْإِيمَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْقِتَالِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْجِهَادَ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالنَّفْسِ أَوْ بِالْمَالِ وَنَفْسُهُ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِيمَانَ كَالذِّمِّيِّ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَيَانُهُ أَنَّ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ الْقِتَالَ صُورَةً لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجِهَادِ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَدْ تَتَّفِقُ حَالَةٌ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ فِي الْإِيمَانِ لِيَسْتَعِدُّوا لِلْجِهَادِ بَعْدُ وَالِاسْتِعْدَادُ لِلْجِهَادِ مِنْ جُمْلَتِهِ وَتَوَابِعِهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ شَرِّ الْكُفَّارِ وَإِعْزَازُ الدِّينِ وَبِالْإِيمَانِ يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ كَمَا يَحْصُلُ بِالْجِهَادِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَبَعٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْأَصْلَ وَهُوَ الْجِهَادُ فَلَا يَمْلِكُ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَصْلِ بِأَيِّ عِلَّةٍ كَانَتْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّابِعِ لِأَنَّ وُجُودَ التَّبَعِ بِوُجُودِ الْأَصْلِ لَا بِعِلَّةِ الْأَصْلِ وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالُوا إنَّهُ بِالْإِيمَانِ الْتَزَمَ حُرْمَةَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي نُفُوسِهِمْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْجِهَادِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ كَانَ مُلْزِمًا غَيْرَهُ ابْتِدَاءً لَا مُلْتَزِمًا وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ.

فَأَمَّا عَقْدُ الذِّمَّةِ فَيَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ إذَا طَلَبُوا ذَلِكَ يُفْتَرَضُ عَلَى الْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ فَيَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ أَمَّا الْإِيمَانُ فَمُتَرَدَّدٌ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يُفْتَرَضُ إجَابَةُ الْكُفَّارِ إلَيْهِ إذَا طَلَبُوا ذَلِكَ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِي الِاسْتِغْنَامِ وَالِاسْتِرْقَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي يُوهِمُ الضَّرَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى خَاصَّةً كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ فَمَا فِيهِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَهُ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا صِحَّةَ إيمَانِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَأَجَابَ وَقَالَ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَأْذُونًا لَهُ بِالْجِهَادِ لَمْ يَصِرْ بِالْإِذْنِ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ لِبَقَاءِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيمَانُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا لَا يَصِحَّ شَهَادَتُهُ وَقَضَاؤُهُ وَجَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْوِلَايَةِ لَكِنَّهُ إنَّمَا صَحَّ لِأَنَّ الْأَمَانَ أَيْ الْإِيمَانُ بِسَبَبِ الْإِذْنِ فِي الْجِهَادِ يَخْرُجُ عَنْ أَقْسَامِ الْوِلَايَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي الْجِهَادِ صَارَ شَرِيكًا فِي الْغَنِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتَحَقَّ رَضْخًا فِيهَا وَإِذَا آمَنَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ فِي الْغَنِيمَةِ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ ثُمَّ تَعَدَّى إلَى الْغَيْرِ لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْإِيمَانُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَيَصِحُّ مِثْلُ شَهَادَتِهِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ حَيْثُ تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ بَلْ هِيَ الْتِزَامُ الصَّوْمِ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ قِيلَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَنْ الْقِتَالِ مِثْلُ الْمَأْذُونِ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ إذَا قَاتَلَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إيمَانُهُ لِشَرِكَتِهِ فِي الْغَنِيمَةِ أَيْضًا قُلْنَا قَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ أَهْلًا لَهُ عِنْدَ إذْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>