للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ صَحَّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَصَحَّ بِالسَّرِقَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ

ــ

[كشف الأسرار]

الْمَوْلَى فَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ إنْ قَاتَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ يَسْتَحِقُّ الرَّضْخَ وَإِلَّا فَلَا.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُرْضَخُ لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ الِاكْتِسَابِ وَعَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً فَيَكُونُ هُوَ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى دَلَالَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى حَالَةَ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فَإِذَا فَرَغَ عَنْ الْقِتَالِ سَالِمًا وَأَصَابَ الْغَنِيمَةَ وَزَالَ الضَّرَرُ يَثْبُتُ الْإِذْنُ مِنْهُ دَلَالَةً وَهُوَ نَظِيرُ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَسَلِمَ مِنْ الْعَمَلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا فِي الْغَنِيمَةِ حِينَ آمَنَهُمْ أَمَّا عَلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَا قَبْلَهُ وَحِينَ ثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ لَمْ يَبْقَ وَقْتُ الْإِيمَانِ وَحِينَ آمَنَهُمْ لَمْ تَكُنْ الشَّرِكَةُ ثَابِتَةً فَيَكُونَ الْإِيمَانُ مِنْهُ تَعْرِيضًا لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِالْإِبْطَالِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ حَقَّهُمْ حِينَ آمَنَ ثَابِتٌ بِالنَّظَرِ إلَى السَّبَبِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَأَجَابَ الْإِمَامُ الْبُرَغْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْهُ بِأَنَّ الْإِيمَانَ إنَّمَا شُرِعَ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْقِتَالِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالِاسْتِعْدَادِ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَمْلِكُهُ مَنْ يَمْلِكُ الْقِتَالَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا الْعَبْدُ الَّذِي قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى وَاسْتَحَقَّ الرَّضْخَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِصِحَّةِ قِتَالِهِ وَرَفَعْنَا الْحَجْرَ عَنْهُ فِي الْمَاضِي لَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِيمَانَ وَهُوَ مِثْلُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ وَرَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا كَانَ تَصَرُّفُهُ نَافِذًا وَالرِّبْحُ سَالِمًا لِلْمَوْلَى لِأَنَّ تَنْفِيذَ تَصَرُّفِهِ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَكِنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ إنَّمَا صَارَ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى التِّجَارَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْحَجْرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَائِمٌ فَلَا يَصِحُّ التَّبَرُّعُ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ لِلْعَبْدِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ بَلْ الشَّرِكَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ رَضْخَ الْعَبْدِ لَهُ لَا لِلْعَبْدِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُقَاتِلَ إذَا أُعْتِقَ بَعْدَمَا أَصَابُوا غَنَائِمَ فَإِنَّهُ يُرْضَخَ لِمَوْلَاهُ مِنْهَا وَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ الْمُقَاتِلُ بَعْدَ إصَابَةِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ لِأَنَّ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ لَا يَتَبَدَّلُ الْمُسْتَحَقُّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْإِسْلَامُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ بِتَبَدُّلِ الْمُسْتَحَقِّ لِأَنَّ الرَّضْخَ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ مُسْتَحَقًّا بِالْعَبْدِ كَمَا يَكُونُ السَّهْمُ لَهُ مُسْتَحَقًّا بِالْفَرَسِ وَبَعْدَ الْعِتْقِ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْعَبْدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْعِتْقُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ اسْتِحْقَاقَ الْمَوْلَى أَصْلًا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي الْغَنِيمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إيمَانُهُ وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي الْجِهَادِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إلْزَامًا عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً قُلْنَا الِاسْتِحْقَاقُ ثَابِتٌ لِلْعَبْدِ لِأَنَّهُ إنْسَانٌ مُخَاطَبٌ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ الْمُسْتَحَقِّ كَمَا يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِ سَائِرِ أَكْسَابِهِ فَيَكُونُ الشَّرِكَةُ ثَابِتَةً نَظَرًا إلَى السَّبَبِ بِخِلَافِ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَصْلًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُقَاتِلَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ لَا شَيْءَ لِمَوْلَاهُ اعْتِبَارًا بِمَوْتِ مَنْ لَهُ سَهْمٌ وَلَوْ مَاتَ الْفَرَسُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ بَعْدَمَا جَاوَزَ الدَّرْبَ لَا يَبْطُلُ سَهْمُ الْفَارِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ غَيْرِ الْمَالِ مِنْ الدَّمِ وَالْحَيَاةِ صَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْ بِمَا يُوجِبُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُبْقًى عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>