للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِالْقَائِمَةِ صَحَّ مِنْ الْمَأْذُونِ وَفِي الْمَحْجُورِ اخْتِلَافٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ بِهِمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ بِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ بِالْحَدِّ دُونَ الْمَالِ وَذَلِكَ إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى.

ــ

[كشف الأسرار]

أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَالْحَيَاةِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى إرَاقَةَ دَمِهِ وَإِتْلَافَ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَانَ إقْرَارُهُ مُلَاقِيًا حَقَّ نَفْسِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ لُزُومُ إتْلَافِ مَالِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْأَمَانِ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يُلَاقِي حَقَّ الْغَيْرِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ قَصْدًا فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ ضَرُورَةً وَصَحَّ إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالسَّرِقَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا عِنْدَنَا حَتَّى وَجَبَ الْقَطْعُ وَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُ الْمَالِ.

وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا قَطْعَ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ بِضَمَانِ الْمَالِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا وَبَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ الْمَالِ يُلَاقِي حَقَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا فَإِنَّهُ يُلَاقِي ذِمَّتَهُ وَهُوَ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْقَطْعِ فَيُلَاقِي نَفْسَهُ وَالْفَكُّ بِحُكْمِ الْإِذْنِ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ نَفْسَهُ لِفُلَانٍ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا فَكَذَا إقْرَارُهُ بِمَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا يَكُونُ بَاطِلًا.

وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَى الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُخَاطَبٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مِثْلُ الْحُرِّ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا فَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ كَإِقْرَارِ الْحُرِّ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَمَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَالْعَبْدُ فِيهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْحُرِّ كَالطَّلَاقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ بِاسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَةِ مِنْهُ فَوْقَ مَا يَلْحَقُ الْمَوْلَى وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَبِالْقَائِمَةِ صَحَّ مِنْ الْمَأْذُونِ يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ صَحَّ فِي حَقِّ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ فَيَرُدُّ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَسْبُ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِي ذَلِكَ فَيَصِحُّ وَفِي حَقِّ الْقَطْعِ صَحَّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَا مَرَّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَفِي الْمَحْجُورِ اخْتِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ بِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ فِي يَدِهِ بِعَيْنِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهِمَا أَيْ بِالْحَدِّ وَالْمَالِ فَيُقْطَعُ يَدُهُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِحُّ بِهِمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ وَلَا الرَّدُّ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ بِالْحَدِّ دُونَ الْمَالِ فَيُقْطَعُ يَدُهُ وَيَكُونُ الْمَالُ لِلْمَوْلَى وَذَلِكَ أَيْ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِيمَا إذَا كَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَقَالَ الْمَالُ مَالِي فَأَمَّا إذَا صَدَّقَهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَسْبَهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ وَمَا فِي يَدِهِ كَأَنَّهُ فِي يَدِ الْمَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِيهِ بِالْغَصْبِ لَا يَصِحُّ فَكَذَلِكَ بِالسَّرِقَةِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمَالِ بَقِيَ الْمَالُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقْطَعَ فِي هَذَا الْمَالِ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَلَا فِي مَالٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ فِيهِ ثُمَّ الْمَالُ أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لَوْ قَالَ أَبْغِي الْمَالَ دُونَ الْقَطْعِ تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تُسْمَعُ وَإِنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَطْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الْقَطْعِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَيْضًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ بِالْقَطْعِ وَبِالْمَالِ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْقَطْعِ دُونَ الْمَالِ فَيَثْبُتُ مَا كَانَ إقْرَارُهُ فِيهِ حُجَّةً دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ يَنْفَصِلُ عَنْ الْآخَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>