للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ قُلْنَا فِي جِنَايَاتِ الْعَبْدِ خَطَأً أَنَّ رَقَبَتَهُ يَصِيرُ جَزَاءً لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ ضَمَانِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ

ــ

[كشف الأسرار]

أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَثْبُتُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْقَطْعُ دُونَ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالٍ يَسْتَهْلِكُ.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ فِي ذَلِكَ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ هُوَ الْأَصْلُ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقْضِي بِالْقَطْعِ إذَا ثَبَتَ السَّرِقَةُ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَيْهِ كَوْنُ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ مَوْلَاهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُقْطَعَ الْعَبْدُ فِي مَالٍ هُوَ مَمْلُوكٌ لِمَوْلَاهُ وَبِثُبُوتِ الشَّيْءِ يَثْبُتُ مَا كَانَ ضَرُورَتُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ نَسَبَ الَّذِي عِنْدَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْآخَرِ مِنْهُ وَيَبْطُلُ عِتْقُ الْمُشْتَرِي فِيهِ لِلضَّرُورَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ) وَهُوَ أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الْمَالِ أَوْ أَنَّ الرِّقَّ يُنَافِي كَمَالَ الْحَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْكَرَامَاتِ حَتَّى أَنَّ ذِمَّتَهُ ضَعُفَتْ بِرِقِّهِ بِحَيْثُ لَمْ تَحْتَمِلْ الدَّيْنَ بِنَفْسِهَا قُلْنَا فِي جِنَايَاتِ الْعَبْدِ خَطَأً أَنَّ رَقَبَتَهُ تَصِيرُ جَزَاءً أَيْ يَصِيرُ الْعَبْدُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جَزَاءً بِجِنَايَتِهِ وَالْوُجُوبُ عَلَى الْمَوْلَى دُونَ الْعَبْدِ فَيُقَالُ لِلْمَوْلَى عَلَيْك تَسْلِيمُ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ إلَى وَلِيِّهَا إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ فَيُخَيَّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ كَمَا وَجَبَ أَوْ الْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْآدَمِيِّ كَحُكْمِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْبَهِيمَةِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ فَيُقَالُ لِلْمَوْلَى إمَّا أَنْ تُؤَدِّيَ أَوْ يُبَاعَ عَلَيْك الْعَبْدُ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْخِلَافُ يَظْهَرُ فِي اتِّبَاعِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَعِنْدَهُ يُؤَاخَذُ بِتَكْمِيلِ الْأَرْشِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعِنْدَنَا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ هُوَ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي ضَمَانِ الْجِنَايَةِ وُجُوبُهُ عَلَى الْجَانِي وَأَوْجَبَ الشَّرْعُ عَلَى الْعَاقِلَةِ حِمَالَةً عَنْهُ بِطَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ بِعُذْرِ الْخَطَأِ وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَقْلَ بِالْقَرَابَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ حُكْمُهَا بِالرِّقِّ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَيُبَاعُ فِيهِ وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَأَمَّا وُجُوبُ الدَّفْعِ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي مَوْضِعٍ عَلَى أَنَّ فِي شَرْعِ الدَّفْعِ تَسْوِيَةً بَيْنَ قِلَّةِ الْجِنَايَةِ وَكَثْرَتِهَا وَهِيَ مِمَّا يَرُدُّهُ الْقِيَاسُ وَنَحْنُ نَقُولُ الْوَاجِبُ فِي بَابِ الْقَتْلِ ضَمَانُ هُوَ صِلَةٌ فِي جَانِبِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ يَهَبُ شَيْئًا مُبْتَدَأ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُتْلَفِ غَيْرُ مَالٍ يُنَافِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ وَكَوْنَ الدَّمِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْدَرَ يُوجِبُ الْحَقَّ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ الضَّمَانُ صِلَةً فِي جَانِبِ الْمُتْلِفِ وَعِوَضًا فِي جَانِبِ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ وَلِكَوْنِهِ صِلَةً لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدِّيَةِ كَمَا لَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ كَأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَلَا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إلَّا بِحَوْلٍ بَعْدَ الْقَبْضِ كَأَنَّهَا هِبَةٌ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا الضَّمَانِ صِلَةً يَمْنَعُ الْوُجُوبَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلصِّلَةِ وَلِهَذَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ صِلَةَ الْأَقَارِبِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إيجَابُهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ صِلَةً وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِيَجِبَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُ الدَّمِ جَعَلَ الشَّرْعُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مَقَامَ الْأَرْشِ حَتَّى لَا يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَصِيرُ الدَّمُ هَدَرًا أَيْضًا إذْ الْأَصْلُ فِي الدَّمِ أَنْ يَضْمَنَ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَلِأَنَّ فِي ضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ وَجَبَ الضَّمَانُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَإِذَا تَبِعَ فِيهِ صَارَ فِي الْمَالِ ذَاهِبًا فِيهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ هَاهُنَا لِكَوْنِ الْوَاجِبِ صِلَةً فَيُصَارُ إلَى الدَّفْعِ لِأَنَّ فِيهِ ذَهَابَهُ بِالْجِنَايَةِ وَهُوَ مَالُ ضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ بِقِلَّةِ الْجِنَايَةِ وَكَثْرَتِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي حُكْمِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>