للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنَّهُ صِلَةٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَصِيرُ عَائِدًا إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَا يَبْطُلُ بِالْإِفْلَاسِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ وَهَذَا أَصْلٌ لَا يُحْصَى فُرُوعُهُ.

ــ

[كشف الأسرار]

هَاهُنَا يَصِيرُ إلَى ذَهَابِهِ فِيهِ وَهَذَا لَا يُوجِبُ التَّفْرِقَةَ.

وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ صِلَةٌ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا وَكَأَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ مُقَابَلًا بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ مِلْكُ النِّكَاحِ أَوْ مَنَافِعُ الْبُضْعِ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ الْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ فَلَا يَكُونُ صِلَةً وَالضَّمَانُ هَاهُنَا يَجِبُ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ فَكَانَ صِلَةً قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَصِيرُ جَزَاءً أَيْ يَصِيرُ رَقَبَتُهُ جَزَاءً فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا حَالَ مِشْيَةِ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَيَصِيرُ أَيْ الْوَاجِبُ عَائِدًا إلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَرْشُ فَإِنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْخَطَأِ عِنْدَهُ وَالنَّقْلُ إلَى الدَّفْعِ لِعَارِضِ الرِّقِّ فَإِذَا أَعَادَ الْأَمْرَ إلَى الْأَصْلِ لَا يَبْطُلُ بِالْإِفْلَاسِ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ الْوَاجِبُ بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ أَيْ بِمَعْنَى الْحَالِ بِهِ عَلَى الْمَوْلَى أَوْ يَصِيرُ الْتِزَامُهُ الْفِدَاءَ بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ كَانَ الْعَبْدُ أَحَالَ بِالْوَاجِبِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَعُودُ بِالْإِفْلَاسِ إلَى رَقَبَتِهِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقَةِ وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَوْلَى إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّيهِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَانَ الْأَرْشُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَالْعَبْدُ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا سَبِيلَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ.

وَعِنْدَهُمَا إنْ أَدَّى الدِّيَةَ مَكَانَهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إلَّا إنْ رَضَوْا بِأَنْ يَبِيعُوهُ بِالدِّيَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعُوا عَلَى الْعَبْدِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ صَارَ حَقًّا لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْوِيلِ حَقِّهِمْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْأَرْشِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ كَانَ هَذَا تَحْوِيلًا لِحَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ وَفَاءً لِحَقِّهِمْ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ وَإِذَا كَانَ مُفْلِسًا كَانَ هَذَا إبْطَالًا لِحَقِّهِمْ لَا تَحْوِيلًا إلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَوْلَى بِطَرِيقِ النَّظَرِ مِنْ الشَّرْعِ لَهُ إنَّمَا ثَبَتَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ فَإِذَا آلَ إلَى الضَّرَرِ كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الْحَوَالَةِ فَإِنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ ثَابِتٌ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى الْمُحِيلِ كَمَا كَانَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي هُوَ الْمَصْرُوفُ إلَى جِنَايَتِهِ كَمَا فِي الْعَمْدِ وَإِنَّمَا صِيرَ إلَى الْأَرْشِ فِي الْخَطَأِ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَكَانَ اخْتِيَارُ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ نَقْلًا مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْعَارِضِ فَكَانَ بِمَعْنَى الْحَوَالَةِ كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ أُحِيلَ عَلَى الْمَوْلَى فَإِذَا تَوَى مَا عَلَيْهِ بِإِفْلَاسِهِ يَعُودُ إلَى الْأَصْلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحَوَالَاتِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ قَدْ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَهَاهُنَا بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ وَإِنَّ الْعَبْدَ فَارِغٌ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ هُوَ الْأَرْشُ فَإِنَّهُ هُوَ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: ٩٢] .

وَفِي الْعَبْدِ إنَّمَا صِيرَ إلَى الدَّفْعِ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلصِّلَةِ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِاخْتِيَارِ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِالْإِفْلَاسِ وَقِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّفْلِيسِ فَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ التَّفْلِيسُ مُعْتَبَرًا لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْمَوْلَى تَحْوِيلًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى ذِمَّتِهِ لَا إبْطَالًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ التَّفْلِيسُ مُعْتَبَرًا وَالْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ كَانَ تَاوِيًا كَانَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>