للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْمَرَضُ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ وَلَا أَهْلِيَّةَ الْعِبَارَةِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبَ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ عَجْزٌ خَالِصٌ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ عِلَّةَ الْخِلَافَةِ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِمَا لَهُ وَلَمَّا كَانَ عَجْزًا شُرِعَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الْمُكْنَةِ وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ فَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ صِيَانَةُ الْحَقِّ حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الْمَرَضُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَرِيمٍ وَلَا وَارِثٍ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَجْرُ إذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِهِ فَقِيلَ كُلُّ تَصَرُّفٍ وَاقِعٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ وَاجِبٌ لِلْحَالِ ثُمَّ التَّدَارُكُ بِالنَّقْصِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِثْلُ الْهِبَةِ وَبَيْعِ الْمُحَابَاةِ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ جُعِلَ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ إذَا وَقَعَ عَلَى حَقِّ الْغَرِيمِ أَوْ الْوَارِثِ

ــ

[كشف الأسرار]

الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَوْلَى إبْطَالًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا أَيْ الرِّقُّ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ الَّتِي بَيَّنَّا أَصْلٌ لَا يُحْصَى فُرُوعُهُ

قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْمَرَضُ فَكَذَا) قِيلَ الْمَرَضُ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ هُوَ هَيْئَةٌ لِلْحَيَوَانِ يَزُولُ بِهَا اعْتِدَالُ الطَّبِيعَةِ وَالْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّ الْمَرَضَ هَيْئَةٌ غَيْرُ طَبِيعِيَّةٍ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ يَجِبُ عَنْهَا بِالذَّاتِ آفَةٌ فِي الْفِعْلِ وَآفَةُ الْفِعْلِ ثَلَاثٌ التَّغَيُّرُ وَالنُّقْصَانُ وَالْبُطْلَانُ فَالتَّغَيُّرُ أَنْ يَتَخَيَّلَ صُوَرًا لَا وُجُودَ لَهَا خَارِجًا وَالنُّقْصَانُ أَنْ يَضْعُفَ بَصَرُهُ مَثَلًا وَالْبُطْلَانُ الْعَمَى وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ أَيْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَوُجُوبَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ وَنَفَقَةِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ وَالْعَبْدِ.

وَلَا أَهْلِيَّةَ الْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَقْلِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ حَتَّى صَحَّ نِكَاحُ الْمَرِيضِ وَطَلَاقُهُ وَإِسْلَامُهُ وَانْعَقَدَ تَصَرُّفَاتُهُ وَجَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمَرَضُ مُنَافِيًا لِلْأَهْلِيَّتَيْنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمَرِيضِ الْعِبَادَاتُ كَامِلَةً كَمَا تَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمَالِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَلَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبَ الْمَوْتِ بِوَاسِطَةِ تَرَادُفِ الْآلَامِ وَالْمَوْتُ عَجْزٌ خَالِصٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَيْسَ فِيهِ يَشُوبُ الْقُدْرَةَ بِوَجْهٍ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ أَيْ مُوجِبًا لَهُ بِزَوَالِ الْقُوَّةِ وَانْتِقَاصِهَا وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ عِلَّةً لِخِلَافَةِ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ يَبْطُلُ أَهْلِيَّةُ الْمِلْكِ فَيَخْلُفُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَالذِّمَّةُ تَخْرَبُ بِالْمَوْتِ فَيَصِيرُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَيَخْلُفُهُ الْغَرِيمُ فِي الْمَالِ كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِمَالِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ وَلِأَنَّ التَّعَلُّقَ لَمَّا ثَبَتَ بِالْمَوْتِ حَقِيقَةً يَسْتَنِدُ هَذَا الْحُكْمُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ كَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ كَفَّرَ قَبْلَ السِّرَايَةِ ثُمَّ سَرَى يَصِحُّ التَّكْفِيرُ لِأَنَّ وُجُوبَ التَّكْفِيرِ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوَاتِ فَيَسْتَنِدُ إلَى سَبَبِ الْقَتْلِ فَيَظْهَرُ فِي الْآخِرَةِ أَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ فَيَجُوزُ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ خَرَابُ الذِّمَّةِ وَتَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْمَالِ حُكْمُ الْمَوْتِ فَيَسْتَنِدُ إلَى سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَرَضُ ثُمَّ لِكَوْنِ الْمَرَضِ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ شُرِعَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَى الْمَرِيضِ بِقَدْرِ الْمُكْنَةِ أَيْ الطَّاعَةِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ أَسْبَابِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِالْمَالِ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجَرِ عَلَى الْمَرِيضِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ صِيَانَةُ الْحَقِّ أَيْ حَقُّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ وَهُوَ مِقْدَارُ الثُّلُثَيْنِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَذَا الْقَدْرِ.

وَجَمِيعُ الْمَالِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا حَتَّى لَا يُؤَثِّرَ الْمَرَضُ أَيْ فِي الْحَجْرِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ غَرِيمٍ مِثْلُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ وَلَا وَارِثَ مِثْلُ مَا زَادَ عَلَى ثُلْثَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ عَلَى ثُلْثَيْ الْجَمِيعِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِثْلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَةُ الْمَرِيضِ كَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْمَرَضِ الْحَجْرُ إذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحَجْرِ مَرَضٌ مُمِيتٌ لَا نَفْسُ الْمَرَضِ فَقَبْلَ وُجُودِ الْوَصْفِ لَا يَثْبُتُ الْحَجْرُ لِعَدَمِ التَّمَامِ بِوَصْفِهِ وَإِذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ صَارَ أَصْلُ الْمَرَضِ مَوْصُوفًا بِالْأَمَانَةِ وَالسِّرَايَةِ إلَى الْمَوْتِ مِنْ أَوَّلِهِ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ بِضَعْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>