للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطَلَ ذَلِكَ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقِيقَةً وَشُبْهَةً حَتَّى لَا تَصِحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَطَلَتْ أَقَارِيرُهُ لَهُ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَارِثِ

ــ

[كشف الأسرار]

كَنَسْخِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ بَطَلَ ذَلِكَ أَيْ إيصَاءُ الْعَبْدِ لَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَمَّا أَجَازَ الشَّرْعُ لَهُ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ وَاسْتَخْلَصَهُ لِلْمَرِيضِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إيصَاؤُهُ بِذَلِكَ لِلْوَارِثِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ كَمَا جَازَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَكَمَا لَوْ وَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ شَرَعَ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ الْوَصِيَّةَ لِلْوَرَثَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [البقرة: ١٨٠] الْآيَةُ لَكِنَّ الشَّرْعَ لَمَّا تَوَلَّى إيصَاءَ الْوَرَثَةِ بِنَفْسِهِ وَنَسَخَ إيصَاءَهُ لَهُمْ بَطَلَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقِيقَةً وَشُبْهَةً لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا حَجَرَهُ عَنْ إيصَالِ النَّفْعِ إلَى وَارِثِهِ مِنْ مَالِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَارَتْ صُورَةُ إيصَالِ النَّفْعِ وَمَعْنَاهُ وَحَقِيقَتُهُ وَشُبْهَتُهُ سَوَاءً لِأَنَّ الصُّورَةَ وَالشُّبْهَةَ مُلْحَقَتَانِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ التَّحْرِيمِ.

ثُمَّ بَيَّنَ أَمْثِلَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَمِثَالُ الصُّورَةِ بَيْعُ الْمَرِيضِ مِنْ الْوَارِثِ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَصَرُّفِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَكَانَ الْوَارِثُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهِ سَوَاءً يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ كَمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي جَمِيعِ مَالِهِ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّتُهُ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ مَعَ الْوَارِثِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّهُ آثَرَ بَعْضَ وَرَثَتِهِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ ذَلِكَ لِحَقِّ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُعْطِيَ أَحَدَ وَرَثَتِهِ هَذِهِ الدَّارَ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَهَذَا لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِدُونِ رِضَاءِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ إيثَارَ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ رَدَّ عَلَيْهِ قَصْدَهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ إيثَارَهُ بِالْعَيْنِ فَلِذَلِكَ يُمْنَعُ بَيْعُهُ مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ بِأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ ثُلْثَيْ مَالِهِ وَلَيْسَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إبْطَالُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ وَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ مِنْ الْوَارِثِ إيصَاءٌ لَهُ صُورَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إيثَارٌ لَهُ بِالْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إيصَاءً مَعْنًى لِاسْتِرْدَادِ الْعِوَضِ مِنْهُ نَقِيضُهُ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمِثَالُ الْإِيصَاءِ مَعْنًى الْأَقَارِيرُ فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ بِدَيْنٍ لِوَارِثِهِ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ إنَّمَا ثَبَتَتْ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَعَنْ التَّبَرُّعِ مَعَ الْوَارِثِ أَصْلًا وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى السَّعْيِ فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ فَكَانَ إقْرَارُهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءً.

أَلَا تَرَى أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْوَارِثِ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ فَكَذَا إقْرَارُهُ لِلْوَارِثِ وَلَنَا أَنَّ فِي إقْرَارِهِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ تُهْمَةَ الْكَذِبِ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ إيصَالَ مِقْدَارِ الْمَالِ الْمُقِرِّ بِهِ إلَى الْوَارِثِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَكُونُ وَصِيَّةً مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا صُورَةً فَيَكُونُ حَرَامًا لِأَنَّ شُبْهَةَ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا فَقَدْ جُعِلَ كَالْإِيجَابِ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِجَارِيَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>