فلا يخفى إنه تحامل محض، فلا هو أبدى قاعدة للنحاة، يبنى عليها الطعن في علة العدل، ولا اخترع من نفسه شيئا يستحق أن يصغي إليه، وهذا الذي وقع له وقع لقاصري النظر، فتراهم يطعنون في تعاليل النحاة، ويقولون: إن العرب لم يقصدوا ذلك.
وقد ذكر ابن جني في الخصائص، حكاية معناها إن أحدهم قال: فلان لغوب أتته كتابي فاحتقرها، فقال له آخر كيف تقول: احتقرها والكتاب مذكر؟ فقال له: أليس بصحيفة؟ فهذا يدلك على أن النحاة بنوا تعاليلهم على أمور معقولة عن العرب، ولنذكر لك ما يثلج صدرك. قال ابن برهان في اللمع: والمثال الكاشف لك عن مغزاهم العدل، هو أن تتصورهم بصورة، من غدا سائرا في الطريق لغاية رفعت له، ونظر إليها ثم عدل عنها إلى غاية أخرى، لا على السمت المستطرق، ففتح بذلك طريقا فصار إلى المراد. إلا أن العدول إنما كان في الأصل لغرض زائد، فالأولى: عامر علما، والثانية قولهم: عمر. ومثل هذا في قول العرب: زيد قام. في قلم ضمير لا يظهر البتة. وإذا قلت: الزيدان قاما. والزيدون قاموا. ظهر الضمير، فجعلوا الضمير بمنزلة السيف، يغمد تارة، وينتضى أخرى. فإن قيل: ومن أين علمهم العدل؟ قلنا لما صرفوا عمرا تكسير عمرة، وصرفوه معرفة، وتركوا صرف عمر. ولم يكن ذلك لمجرد التعريف، دلنا ذلك على ما قلناه. وقال سعيد: انهم نووا في هذا المعدول أن يبنوه على الأصل، ثم عرض له هذا البناء بعد النية، فعمر لم يقع في كلامهم صفة. وزفر وقع في كلامهم مثل عمر. ووقع أيضا مثل حطم. فتقول زفر، فهو زافر، والزفر بهذا بمنزلة عمر، لا ينصرف إن كان علما. قال ابو علي: كان ينبغي أن يقع الاشتقاق لعمر، من المصدر الذي اشتق عامر منه، فلما اشتق عمر من عامر، سمى معدولا، ولو كان على القياس
لسمى مشتقاً. والتغيير في الأعلام أوجد. فلذلك كان باب