لما رأوا عابد الرحمن منقبضاً ... تحت العجاجة مثل الضيغم الضار
ولوْا تباديد مثنى وفراد ولم ... يثنوا من الرعب وجهاً بعد إدبار
تعلم إنه كان أعلم منه يسيرة العرب، إذ من تتبع أيامهم، يجد منهم من الثناء على أعدائهم، ما يدل على كمال أخلاقهم، كما قال العباس بن مرداس في حربه لبني زبيد:
فلم أر قوماً صابروا مثل صبرهم ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا
أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منا بالسيوف القلانسا
وقال أبَّدَّ أيضا في وقعة تندوج:
ما بال عينك تذرى دمعها الجارِ ... كأنّ جفنك مكحول بعُوّارِ
من ذكِرِ سَلْمى وقد شط المزار بها ... إلا ملمات أحلامٍ وتذكارِ
لم ألقها بعد أيَّام المُلَيْحِ وقدْ ... قامت لتصميني من بين أنصار
إلى أن يقول:
وذكرْ بلاَء علىّ في بنى عُمَر ... بين الأجارع من تِنْدَوْجَ والغار
جاَءت بحائنهم رجلاهُ وانقلب الب ... اقي ليؤثر بالملحاة والعار
ينجو نجاَء نجاة الوحش صِيح بها ... من كلّ فرّارةٍ تبرى لفرّار
ومنها:
واستنشدوا الأحولَ الهجاَء كلمته ... جادتْ بطيفٍ سرى لي أمُّ عَمَّارِ
والعلويون ركبان تنوشهم ... بالأندرية تردى كلَّ ختَّارِ
حتى إذا اثخنوهم محنقين وهمْ ... ما بين ملتزمٍ أو واجب خار
ولوْ انباديد مقنى وفراد ولم ... يثنوا من الرُّعب وجهاً بعد إدبارِ
غرَّتهم غدَرَات غير معذرةٍ ... كانت رجال علىّ غير حُضَّارِ
ووقعة في براءٍ في مساجدهم ... لم يحملوا من سلاح غير أسفارِ