الغناء، ويسمون صاحبه مغنيا، سواء كان عالما أو جاهلا، شريفا أو وضيعا، وليس هو بمنزلة المغنى عند المشارقة، فإن ذلك من يغنى للناس ليأخذ منهم أجره، فإن هذا في بلاد شنقيط، لا يتعاطاه إلا طائفة يسمونها إيكاون (بكاف معقودة) ومفردهم إيكو، وعادة أولئك، أن من يحب السماع يذهب إليهم في بيوتهم فيغونه ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، لا يستحيي بعضهم من بعض، أعني إيكاون، ولهم أوتار يضربونها ولها أعصاب، فإذا حرَّك أحدهم وتره، علم الماهر من الحاضرين يضرب في أي ظهر، وهو ما يقابل البحر الذي أنشده منه بيتا يكون طويلا أو بسيطا، أما الذي يطرب بصوته من غير هذه الطائفة، فيسمونه نشاداً، ويزعم أهل تلك البلاد، أن إيكاون أصلهم يهود أسلموا، ولم أر ما يصحح زعمهم.
ولنرجع لصاحب الترجمة فنقول: إنه كان راوية لأشعار العرب، عالما بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ظريفا لا تمل مجالسته، ولا يسمع في مجالسه إلا ما يعلى الهمم، ويحض على التقوى والدين، ومن جيد شعره قوله يرثى الشيخ سيدي:
الأرضُ بعد الشيخ ثَكلاَ يالها ... قد زُلْزِلَتْ من فَقْدِهِ زِلْزَالَها
أنَّى لها تجِدُ السُّلُوَّ وَرَاَءه ... عزَّ السُّلُوُّ وَرَاَءهُ أنَّى لها
يا لِلْحَوَائج والخطوبِ إذا دَهَتْ ... ذهَبَ المُعَدُّ لهنًّ كان فيالها