للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن القصاص في النفس والجراح كان حتمًا في التوراة ولم يكن لهم أخذ الدية، وكان في الإنجيل الدية ولم يكن لهم القصاص، فخير الله هذه الأمة، وبين أن العفو عن الدية تخفيف {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد العفو وقبول الدية {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وهو أن يقتل قصاصًا وعن سَمُرة مرفوعًا «لا أعافي رجلاً قتل بعد أخذ الدية» أي لا أقبلها منه بل أقتله، وأوجبه بعضهم ولم يجعله إلى الأولياء كما سيأتي.

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أي في شرع القصاص لكم وهو قتل القاتل بقاء وهذه حكمة عظيمة من الله تعالى، فإن القاتل إذا علم أنه يقتل انكف عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس، وفي الكتب المتقدمة وقيل في المثل: «القتل أنفى للقتل» وقال الشاعر:

بالدما يا جارتي تحقن الدما ... وبالقتل ينجو الناس من القتل

{يَا أُولِي الألْبَابِ} أي يا أولي العقول والأفهام والنهى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تنزجرون وتنتهون عن القتل مخافة القود فما شرعه الله من القصاص أكمل وأصلح للعباد، وأشفى للغيظ وأحفظ للنفوس، والمصلحة به أضعاف أضعاف تلك المفسدة.

(وقال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} أي أوجبنا عليهم (فيها) أي في التوراة وشرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررًا ولم ينسخ كما هو المشهور عند الجمهور لهذه الآية، وأجمعوا على الاحتجاج بما دلت عليه {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} أي أن نفس القاتل بنفس المقتول وفاءً يقتل به، والجمهور على أن الرجل يقتل بالمرأة

<<  <  ج: ص:  >  >>