والقضاء إنما يجب على من قدر عليه لا على من عجز عنه، فلا يحتاج أن يقضي أحد عن أحد. وأما الصوم وغيره من المنذورات فيفعل عنه بلا خلاف للأحاديث الصحيحة، والواجب بالشرع ايسر من الواجب بالنذر. وقال ابن القيم: يصام عن النذر دون الفرض الأصلي، وهذا القول مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس وعائشة، ولا تعارض بين روايتهما ورأيهما.
وبهذا يظهر اتفاق الروايات وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع وإنما أوجبه العبد علىنفسه فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي - صلى الله عليه وسلم - به، والدين تدخله النيابة، وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء، فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال. كما لا تدخل الصلاة والشهادتين. فإن المقصود منها طاعة العبد بنفسه وقيامه بحقوق العبودية والتي خلق لها وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره، ولا يصلي عنه غيره.
وهكذا من ترك الحج عمدًا مع القدرة عليه حتى مات، أو ترك الزكاة فلم يخرجها حتى مات، فإن مقتضى الدليل وقواعد الشرع إن فعلها عنه بعد الموت لا يبرئ ذمته، ولا يقبل منه، والحق أحق أن يتبع اهـ. فيقضي عنه وليه كما تقدم، فإن لم يفعل الولي ولا غيره فعلى الولي أن يدفع في الصوم عن كل يوم طعام مسكين، لأنه فدية الصوم، وكمتعة حج.