(ولا يمس امرأة ولا يباشرها) المارد بالمباشرة هنا الجماع قرينة ذكر المس قبلها. وتقدم نقل الإجماع على ذلك. ويؤديه ما رواه الطبراني وغيره عن قتادة في سبب نزول الآية {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أنهم كانوا إذا اعتكفوا فخرج رجل لحاجته فلقي امرأته فجامعها إن شاء فنزلت الآية. وفسرتها السنة. وأجمع أهل العلم على بطلان الاعتكاف بالجماع. والمنع من المس بشهوة. وجوازه بدونها.
وفي هذه الأخبار ونحوها أنه يستحب للمعتكف اجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء. وفي الحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينيه" وإذا حسن إسلام المرء اقتضى ترك ما لا يعنيه كله من المحرمات والشبهات والمكروهات. وفضول المابحات في سائر الأوقات. وفي الاعتكاف أولى. فالمكروه في غيره أشد كراهة فيه حتى كره بعض أهل العلم تعليم القرآن لئلا تنصرف همته عن تدبر القرآن إلى حفظه على القراء.
فيكون قد صرف فهمه عن تدبر أسراره لنفسه إلى حفظ ظاهر نطقه لغيره. وإلا فليس من عمل اللسان للمعتكف ما يعدل قراءة القرآن واستماعه. وهذا كله إشارة إلى أن الاعتكاف حبس النفس وجمع الهمة على نفوذ البصيرة في تدبر القرآن. ومعاني التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. وذكر الله عز وجل فكلما جمع الفكر يناسب هذه العبادة. وكلما بسط من الفكر ونشر من الهمة ينافيها.