ولا تحمل النخل المقيمة ربها ... اذا أصبحت ريا وأصبح ثاويا
وكان أبو قيس هذا قد ترهب في الجاهلية وهم بالنصرانية واعتزل من الجاهلية ودخل بيتا له واتخذه مسجدا وقال أعبد رب ابراهيم وقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو شيخ كبير فأسلم وحسن اسلامه وله أشعار حسان من محاسنها قوله.
يقول أبو قيس وأصبح غاديا ... ألا ما استطعتم من وصاتي فافعلوا
وان قومكم سادوا فلا تحسدونهم ... وان كنتم أهل الرياسة فاعدلوا
وان نزلت احدى الدواهي بقومكم ... فأنفسكم دور العشيرة فاجعلوا
وان ناب غرم فادح فارفدوهم ... وما حملوكم في الملمات فاحملوا
وان انتم أمعرتم فتعففوا ... وان كان فضل الخير فيكم فافضلوا
[فصل: في المسجد الشريف النبوى وعمارته]
«فصل» اعلم ان المسجد الشريف في دار بنى غنم بن مالك بن النجار وهو حيث مبرك الراحلة وكان كما ورد في الصحيح مربدا للتمر لسهل وسهيل بني رافع بن عمرو غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة وكان يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بنى النجار فقال ثامنونى بحائطكم هذا فقالوا لا والله ما نطلب ثمنه الا الى الله ولما كان لليتيمين لم يقبله الا بالثمن قيل اشتراه بعشرة دنانير ذهبا دفعها عنه أبو بكر ثم ابتدأ صلى الله عليه وسلم حجة قال انما أخذه من قول الشاعر وذكر البيت (ثاويا) أي هالكا (غاديا) بمعجمة ممدودة من الغدو وهو الذهاب بكرة وقد يراد به مطلق الخروج أي وقت كان ويريد هنا بقوله غاديا الغدو الى القبر (وصاتي) الوصاة الوصية (فلا تحسدونهم) باثبات النون في تحسدونهم وكان حقها أن تسقط بلا الناهية الا انها قد تهمل حملا على أختها ما (فانفسكم) منصوب على انه مفعول لقوله فاجعلوا (غرم) بغين معجمة مضمومة فراء ساكنة هو ما يجب أداؤه كالدين ونحوه (فادح) ما يفدح حمله أي يشق حمله ومنه قولهم خطب فادح أي لا تطيقه النفوس ويشق عليها احتماله (أرفدوهم) من الرفد بكسر الراء العطاء (الملمات) جمع ملمة وهي الحادثة التى تلم بالانسان أي تنزل به (أمعرتم) بعين مهملة فراء أي افتقرتم يقال أمعر الرجل اذا خلت يده من المال (فضل) بالضاد المعجمة الفضل الزيادة يقول اذا افتقرتم فكونوا اعفة واذا كان عندكم في أموالكم فضل فتفضلوا بها على غيركم.
(فصل) واعلم ان المسجد الشريف (حيث مبرك الراحلة) كما تقدم ذكره (ثامنونى) بمثلثة ممدودة أى اتفقوا معي على ثمنه في السيرة فقال له معاذ بن عفراء هو يا رسول الله لسهل وسهيل بني عمرو وهما