وهذا حين أذكرها مفصلة من نبينا صلى الله عليه وسلم.
[فصل في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم]
«فصل» في علمه وحلمه واحتماله وعفوه وصبره صلى الله عليه وسلم أما العلم فقال الله تعالى وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. وقال تعالى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً. كلت الألسن عن وصف قدر منحته من العلم وأمر بسؤال الزيادة عليها وقال تعالى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
. قال القاضي عياض ولما كان ما كاشفه من ذلك الجبروت وشاهد من عجائب الملكوت لا تحيط به العبارات ولا تستقل لحمل سماع أدناه العقول رمز عنه تعالى بالايماء والكناية الدالة على التعظيم فقال فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
وقال في قوله تعالى لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. انحصرت الافهام عن تفصيل ما أوحى وتاهت الأحلام في تعيين تلك الآيات الكبرى. قال المؤلف واذا أردت ان تعلم مكانته صلى الله عليه وسلم من العلم فانظر الى ما تضمنته شريعته من الأصول والفروع ودقائق الاحكام وأسرار المعانى التي جهل وجه الحكمة في أكثرها ولزم الخلق (فصل) في علمه وحلمه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعنى القرآن (وَالْحِكْمَةَ) يعني القضاء بما أوحي اليه (وَقُلْ رَبِّ) أي يا رب (زِدْنِي عِلْماً) أى بالقرآن ومعانيه أو علما الى علمى قال البغوى وكان ابن مسعود رضى الله عنه اذا قرأ هذه الآية قال اللهم زدنى ايمانا ويقينا (كلت الالسن) أى ضعفت وأعيت (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) وكان الذي أوحاه اليه أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى الى قوله وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ قاله سعيد بن جبير وقال ابن عباس وأكثر المفسرين أوحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد وذكر عن جعفر بن محمد الصادق قال أوحي الله اليه بلا واسطة وذكر مثله عن الواسطي وحكي عن ابن مسعود وابن عباس والاشعري وقيل أوحي اليه ان الجنة محرمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمتك (قال القاضي) عياض في الشفاء (الجبروت) بفتح الجيم والموحدة وضم الراء ثم واو ثم فوقية هي مقلوب من الجبر وهو القهر (الملكوت) فعلوت من الملك وكذلك الرهبوت من الرهبة والرحموت من الرحمة (ولا تستقل) أى لا تحمل (أدناه) بفتح الهمزة وسكون المهملة (رمز عنه) أي أشار اليه والرمز الاشارة ومنه قوله تعالى أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) قال في الشفاء وهذا النوع من الكلام يسميه أهل النقد والبلاغة بالوحي والاشارة وهو عندهم أبلغ أبواب الايجاز (لَقَدْ رَأى) هذه لام القسم أى والله لقد رأي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء جملة (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي العظام وأراد ما رآه في مسيره تلك الليلة وعوده بدليل لنريه من آياتنا وقيل معناه لقد رأي من آيات ربه الكبري وأخرج البخاري عن ابن مسعود رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء (انحسرت) أى كلت وانقطعت (وتاهت) تحيرت (ولزم الخلق) بالنصب