حتى اسئل العالم ثم ذهب فأتى فقال يا محمد ان الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعف عمن ظلمك وقال تعالى (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) وقال تعالى (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) فغير خاف على من تأمل أحواله وأقواله وحققها معرفة أنه صلى الله عليه وسلم قد نزل من هذه الاخلاق منزله لا ترتقى وامتطى منها مطية لا تمطى وانه كان لا يستخفه كثرة الأذي ولا طيش الجهال وفي بعض كلام عمر بن الخطاب الذى بكى به النبي صلى الله عليه وسلم بأبى أنت وأمي يا رسول الله لقد دعا نوح على قومه فقال رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فانهم لا يعلمون.
[فصل وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم]
«فصل» وأما جوده وكرمه وسخاؤه وسماحته صلى الله عليه وسلم وبين هذه الألفاظ فروق لطيفة ويجمعها بذل المال على وجه التكرم وغير مدافع ان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصيغة (حتى أسئل العالم) بكسر اللام يعنى الله عز وجل (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من الاذى وهذه احدى الجمل الاربع التي أمر لقمان ابنه بها وهي اقامة الصلاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (فَإِنَّ ذلِكَ) المذكور وهى الخصال الاربع (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أى من الامور التي يعزم عليها لوجوبها (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي ذو والحزم قاله ابن عباس أو ذو والجد والصبر قاله الضحاك ومر ذكر أولى العزم والكاف في قوله كما هي لسبقية أصل الصبر بالصبر والا فمقدار صبره صلى الله عليه وسلم لا يبلغه مقدار صبرهم أو معناه اصبر صبرا يناسب حالك كما صبر أولو العزم صبرا يناسب حالهم (فائدة) أخرج أبو الشيخ في مسنده عن عائشة قالت قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ان الدنيا لا ينبغي لمحمد ولآل محمد يا عائشة ان الله لم يرض من أولى العزم الا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ولم يرض الا ان كلفني ما كلفهم فقال فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل وانى والله ما يدمن طاعته والله لا صبرن كما صبروا واجهدن ولا حول ولا قوة الا بالله (وامتطى) بهمز وصل وسكون الميم وفتح الفوقية والمهملة والامتطاء الركوب على مطاء الدابة بفتح الميم فالمهملة أى ظهرها (رَبِّ لا تَذَرْ) أي لا تترك (دَيَّاراً) أي دائرا في الارض يذهب فيها ويجيء فيقال من الدوران وقال القتيبي أصله من الدار أي نازل دارا (مثلها) بالنصب (لهلكنا من عند آخرنا) كما هلك الذين دعا عليهم نوح من آخرهم (وطيء ظهرك) هذا مثل لمن يجترأ عليه ويهان ولعله أراد ما فعله عقبة بن أبي معيط من وضع السلا على رقبته.
(فصل) في جوده وكرمه وسخائه وسماحته (فروق لطيفة) فرق بها بعضهم فقال الكرم الانفاق بطيب النفس فيما يعظم خطره ونفعه ويسمى حرية وهو ضد الندالة والسخاء سهولة الانفاق وتجنب اكتساب