[مطلب في بدء نبوته صلي الله عليه وسلم وظهور جبريل له بغراء حراء]
عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت اول ما بدئ به رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه بالمهملة والقاف مصغر كان حافظا مأمونا مات سنة احدى وأربعين ومائة (عن ابن شهاب) هو الزهري محمد ابن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الذي شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ثم أسلم كان أحد أئمة الدين. قال ابن المديني له نحو ألفى حديث وقال مرة أخري أسند أكثر من ألف حديث وحديثه ألفان ومائتا حديث نصفها مسندة مات في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة (عن عائشة) هو مرسل صحابية فانها لم تدرك بدء الوحى فاما أن تكون سمعته منه صلى الله عليه وسلم أو من غيره من الصحابة ويؤيد سماعها منه قال الحافظ ابن حجر قولها في اثناء الحديث قال وأخذنى فغطني (أول ما) ما نكرة موصوفة أي أوّل شئ (من الوحي) من بيانية أو تبعيضية أي من أقسام الوحي وأوّل ما بديء به من دلائل النبوة مطلقا أشياء كثيرة وقد مر ذكر بعضها في كلام المصنف منها تسليم الحجر (الرؤيا) مصدر كالرجعي وتختص بالنوم كاختصاص الرأي بالقلب والرؤية بالعين (الصالحة) بالرفع وفي صحيح البخاري في التفسير الصادقة وهما بمعنى وصلاحها اما باعتبار صورتها أو تعبيرها كما أشار اليه الخطابي (فى النوم) صفة موضحة قال في التوشيح أو ليخرج رؤية العين في اليقظة لاحتمال أن يطلق عليها مجازا (مثل) بالنصب على الحال (فلق الصبح) بفتح الفاء واللام وحكي الزمخشري سكونها ويقال فرق بالراء بدل اللام من غير الرواية وفلق الصبح ضياؤه يضرب مثلا للشئ الواضح البين قال العلماء انما ابتدئ بالرؤيا كيلا يفجأه الملك بصريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية فبدئ بأوائل خصال النبوة وتباشير الكرامات من صدق الرؤيا وحب العزلة والصبر عليها (حبب اليه الخلاء) بالفتح والمد الخلوة وانما حببت اليه لما فيها من فراغ القلب لما يتوجه اليه (بغار) هو النقب في الجبل وجمعه غيران (حراء) بكسر المهملة في الافصح وتضم وتفتح وفي رواية الاصيلي في البخاري بفتحها مع القصر وأكثرهم يقوله بالمد ويذكر ويؤنث فعلى الاول يصرف وعلى الثانى لا يصرف قال بعضهم
حرا وقبا ذكر وأنثهما معا ... ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا
ومثلهما مني أيضا لكن ليس في أوله سوي الكسر وحراء جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب من مكة الى مني قال ابن أبى حمزة وانما خصه بالخلوة لان المقيم فيه يمكنه رؤية البيت فيجتمع له الخلوة والتعبد ورؤية البيت (فيتحنث فيه) بمهملة وفي آخره مثلثة أي يتعبد ومعناه القاء الحنث عن نفسه كالتأثم والتحوب القاء الاثم والحوب عن نفسه قال الخطابي وليس في الكلام تفعل القي الشئ عن نفسه غير هذه الثلاثة والباقي بمعنى تكسب وزاد غيره تحرج وتنجس وتجنب وتهجد وتجزع وتجنح اذا ألقي الحرج والنجس والجنابة والهجود أي النوم والجزع والجناح عن نفسه وقيل ان تحنث بمعنى تحنف وقد وقع كذلك في سيرة ابن هشام