إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى * قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يعذرون به في ترك دينهم قال نعم والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر على أن يستوي جالسا من الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول نعم وكذلك فعل معهم عمار حين غطوه في بئر ميمون وقالوا له اكفر بمحمد فاعطاهم ذلك فاخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلا ان عمارا ملئ إيمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخبره فقال كيف وجدت قبلك قال مطمئنا بالايمان فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح دمعه وقال ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ونزل فيه وفي أمثاله قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ الآية.
[مطلب في الكلام على الهجرة الأولى الى الحبشة وبيان من هاجر إليها من الأصحاب]
وفي رجب في الخامسة من المبعث كانت هجرة الحبشة. وقد ذكر ابن اسحق وغيره فيها أخبارا عجيبة عليها نزلت حين قال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر لبلال الاليد كانت له عنده (الا) أى لكن فعل ذلك (ابتغاء) أي طلب (وجه ربه الاعلى) وطلب رضاه (ولسوف يرضي) في الآخرة بما يعطيه الله عز وجل من الجنة والكرامة جزاء على ما فعل. واذا كانت الآية في أبي بكر كان فيه معنى لطيف وهو مشاكلة موعوده وهو ولسوف يرضي بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ولسوف يعطيك ربك فترضى ويكون فيه اشارة الى مقام الشفاعة وان أبا بكر يكون له فيها أثرة على الصديقين كما لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أثرة على سائر المرسلين والله أعلم (قال سعيد بن جبير) هو الوائلى مولاهم يكني أبا محمد وأبا عبد الله أحد اعلام الدين قتل بشعبان شهيدا سنة خمس وتسعين (من الضر) بضم الضاد وفتحها (كلا) هو نفى وابعاد (ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه) للنسائي من حديث عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبى ملئ عمار ايمانا من قرنه الى مشاشه وهو بضم الميم ثم بمعجمتين بينهما ألف ساكنة جمع مشاشة وهي رؤس العظام وهذا للمبالغة في وصف قوة ايمان عمار أي لو كان الايمان جسما لملأ ما ذكر وخالط لحمه ودمه (ثم انى رسول الله صلي الله عليه وسلم) في تفسير البغوي وغيره قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما وراءك قال شر يا رسول الله نلت منك وذكره (فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح دمعه) فيه ما كان عليه صلي الله عليه وسلم من شدة الرحمة والشفقة (ان عادوا لك) أي بالاكراه على الكفر (فعدلهم) بمقالتك فإنها لا تضرك مع كون قلبك مطمئنا بالايمان والامر فيه للاباحة والا فمن اكره على الكفر فالترك في حقه أولى (فائدة) أخرج الترمذي والحاكم من حديث عائشة ما خير عمار بين شيئين الا اختار أيسرهما فلعل الاشارة منه الى الواقع له في هذه القصة وفيه منقبة له فان ذلك من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في شمائله (ونزلت فيه وفي أمثاله) أي كصهيب وبلال وخباب وسالم (من كفر بالله من بعد ايمانه) جوابه فعليهم غضب والاستثناء متوسط بينهما وعدم كفر المكره بالاجماع. حديث هجرة