للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصنعت له طعاما فحانت صلاة الظهر فصلى بهم وأنزل عليه وهو راكع في الثانية قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية فاستدار صلى الله تعالى عليه وآله وسلم واستدارت الصفوف خلفه وتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ثم صلى ما بقي من صلاته الى الكعبة ولم يستأنف فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين وأخبر أهل مسجد قباء بذلك وهم في صلاة الصبح فاستداروا كما هم الى الكعبة وبهذا استدل أصحابنا في جواز الصلاة الواحدة الى جهات متعددة بالاجتهاد وكان أمر القبلة اول منسوخ من أمور الشرع وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قبل الهجرة يصلي الى الكعبة فلما هاجر استقبل صخرة بيت المقدس ليكون أقرب الى تصديق اليهود واختلف العلماء هل كان ذلك بوحي أم اجتهاد ونقل القاضي عياض عن الاكثرين انه كان بسنة لا بقرآن ففيه دليل لمن يقول ان القرآن ينسخ السنة قلت بل الصواب والله أعلم ان توجهه الى بيت المقدس تلك الاشهر كان بوحي من الله بدليل قوله تعالى وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها مع ما ورد انه صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي الي بيت المقدس كان يقول لجبريل عليه السلام وددت لو حولنى ربي الى الكعبة فانها قبلة ابي ابراهيم فقال له جبريل عليه السلام انما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك فسل أنت ربك فانك عند الله بمكان وعرج جبريل الى السماء وجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلب طرفه الى السماء منتظرا فنزل في ذلك قوله تعالى قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ الآية وكل هذا يدل على انه لم يكن باجتهاد ويحتمل ان يكون أوّل ذلك اجتهاد الموافقة اليهود رجاء اسلامهم ثم نزل الوحي بتقريره والله أعلم. وحين عدل صلى الله عليه وسلم قبلة مسجده اماط جبريل عليه السلام كل جبل بينه وبين الكعبة فعدلها وهو ينظر الى الكعبة وصارت قبلته الى الميزان ولما حولت القبلة وقع في ذلك القالة من اليهود وارتد من رق ايمانه وقالوا رجع محمد الى دين آبائه ونزل في ذلك قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ) اى التحويلة (لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) وكان (وهم في صلاة الصبح) أي من اليوم الثاني وذلك الي ان وصلهم الخبر لانهم خارج المدينة. قال في المواهب وفي هذا ان الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدم نزوله لانهم لم يؤمروا باعادة العصر والمغرب والعشاء (وقع في ذلك القالة) أى القيل والقال كناية عن الارتياب والشك (من اليهود) وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها (وارتد) عن دينه (من رق إيمانه) من المنافقين فانزل الله في جوابهم قل لله المشرق

<<  <  ج: ص:  >  >>