للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل زمن أو بلد شيئا وهو مستحسن عند غيرهم وقد يكون ما استحسنه الشارع صلى الله عليه وسلم وتكرر منه كما ورد انه صلى الله عليه وسلم كان يردف خلفه على الحمار رجلا في المدينة من غير سفر ولا مشقة ويركب الفرس عريا ولو فعل هذا في قطرنا آحاد الناس فضلا عن الاعيان لاستنكر منهم والمستقبح حقيقة هو ما استقبحه الشارع صلى الله عليه وسلم وليس بدعا ان يستنكر منهم الناس ما خالف عاداتهم فقد صح في صحيح مسلم عن طاووس قال قلنا لابن عباس انا لنراه جفاء بالرجل يعني الاقعاء في الجلوس بين السجدتين فقال بل هى سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد فهمت مما تقدم كيف كان الحال وان لا دليل على الكراهة وأما الحديث المذكور في الاحتباء يوم الجمعة فقد سبق تأويل العلماء له وان النهى ليس لنفس الحبوة ولذلك لم يقولوا لانها جلسة تكبر وتجبر بل قالوا لانها جلسة وطيئة قد تجلب النوم فتفوت سماع الخطبة التي يتحتم سماعها على الحاضرين مع ان الحديث في نفسه ليس مما يقطع بصحته ويغلب على صحاح الاحاديث وقد جعله الترمذى في حيز الحسان. وقال بعض من قبح الحبوة وان كان قد ورد في الاحتبى أثر فانما هو دليل الجواز واذا تأملت ما تقدم صدر هذا الفصل وقولهم أكثر جلوسه محتبيا فهمت خلل هذا الكلام وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل الواجب والمندوب والمباح ولا يفعل المحرم ولا المكروه فان فعل شيئا مما كره تنزيها فانما يفعله مرة لبيان الجواز وطريقة الانصاف أن يقال استعمال الجلسات الواردات عنه صلى الله عليه وسلم لا يوصف منها شيء بكراهة الا ما دل عليه دليل ويغلب منها ما كان غالب أحواله صلى الله عليه وسلم وأقرب الجلسات الى التواضع جلسة الجائى (كان يردف خلفه على الحمار) كما في قصة أبي هريرة وقوله لا والذي بعثك بالحق لا صار عنك الثالثة (ويركب الفرس عريا) بل والحمار كما أخرجه الحاكم في المستدرك عن أنس (وليس بدعا) أي عجيبا (في صحيح مسلم) وفي صحيح البخارى أيضا (انا لنراه) بضم النون وفتحها (جفاء بالرجل) بفتح الراء وضم الجيم أى الانسان وضبطه ابن عبد البر بكسر الراء وسكون الجيم ولم يصوبه الجمهور (يعني الاقعاء) بكسر الهمزة وسكون القاف مع المد وهو نوعان أحدهما أن يلصق اليتيه بالارض وينصب ساقيه ويضع يديه على الارض كاقعاء الكلب وهذا النوع مكروه ورد فيه النهى في سنن الترمذى عن على وفي سنن ابن ماجه عن أنس وفي مسند أحمد عن سمرة وأبي هريرة والثاني أن يجعل أليتيه على عقبيه وهذا الثاني سنة (في الجلوس بين السجدتين) وان كان الافتراش أفضل لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقد نص على هذا الشافعي في البويطي والاملاء (وطيئة) بالهمز على وزن عظيمة (في حيز) بفتح المهملة وكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>