وان يفرغ وسعه في تقويمها ويتعرف الآيات الواردة في فضلها والحث عليها ويراجع تفسيرها ويتأمل المأثور من صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فبذلك يتجوهر باطنه ويتزين بالشرع ظاهره ويتروح بالعبادات وتخف على قلبه كلف المجاهدات كما قال بعض السادة جاهدت للصلاة عشرين سنة وتنعمت بها بقية العمر وهذا المقام الذي أشار اليه النبى صلى الله عليه وسلم بقوله قرة عينى في الصلاة ويا بلال أقم الصلاة وارحنا بها. واعلم ان التفريط والتساهل في أفعال الصلاة ان جرى من العلماء المقتدي بهم الذى تلاحظ العامة أفعالهم عظم خطره وعم ضرره لانهم سبب الهداية والضلال وطباع الناس الى المتابعة في الافعال أميل منها الى المتابعة في الاقوال ومثل من يأمر بالاستقامة وينحرف عنها كمن يكذب بعضه بعضا ويتبع ابرامه نقضا ويحل عليه مقت الله تعالى قال الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ. قال ابن السماك وعظت الناس يوما فأعجبنى وعظي فسمعت هاتفا يقول
يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فاذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأنى مثله ... عار عليك اذا فعلت عظيم
وقال صاحب البردة:
أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به ... وما استقمت فما قولى لك استقم
(وأن يفرغ وسعه) أى يبذل طاقته (يتجوهر باطنه) أى يصبر كالجوهر صافيا لا كدر فيه (ويتروح بالعبادات) أي يستريح بها (كلف) بضم الكاف وفتح اللام جمع كلفة وهي المشقة (ويتبع ابرامه) بالنصب والا برام الاحكام (نقضا) بالنصب مفعول ثان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت حين قالوا لو علمنا أحب الاعمال الى الله تعالى لعملناه ولبذلنا أنفسنا وأموالنا فأنزل الله عز وجل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا فابتلوا بذلك يوم أحد فولوا مدبرين قاله أكثر المفسرين أو لأن الله أخبر رسوله بثواب شهداء بدر قالت الصحابة لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية قاله محمد بن كعب القرظي أو نزلت فيمن قال قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وضربت ولم يضرب قاله الضحاك أو نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين بان ينصرون وهم كاذبون قاله ابن زيد (كبر) أي عظم (مقتا) أي بغضا شديدا (ان تقولوا ما لا تفعلون) أي ان تعدوا من أنفسكم شيأ ثم لم توفوا به (ابن السماك) بفتح المهملة وتشديد الميم (وتأتي مثله) بالنصب على جواب النهي (ائتمرت)