للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقد عظمت عنية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الاعتناء بسنته وحملهم أنفسهم على هديه وطريقته فربما عرض لاحدهم عارض من باب التغليظ في الطهارة والتشديد في الدين ثم تركه لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله* فروينا عن عمر انه كان يهم بالأمر ويعزم عليه واذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه حتى قال لقد هممت أن أنهى عن لبس الثياب المصبوغة فانه بلغنى انها تصبغ ببول العجائز فقيل له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولبست في زمانه فصدق ذلك وترك وقال مرة لابنه أو لغلامه أبغني ثوبا لخلائى غير ثوب صلاتى فانى رأيت الذباب ربما يقع على الخلاء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا ثوب واحد وترك ما هم به* وروى مثل ذلك لزين العابدين على ابن الحسين رضي الله عنهم وهذا ما تأملوه وفهموه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قربهم منه مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة وقوله صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) أى قبل الآخرة فاشككهم فيها (ومن خلفهم) أى ارغبهم في دنياهم (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم (وعن شمائلهم) اشهى لهم المعاصى قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عطية عنه من بين أيديهم من قبل دنياهم يعنى أرمها في قلوبهم ومن خلفهم أي من قبل الآخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيآتهم وقال الحكم من بين أيديهم من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يثبطهم عنها وعن أيمانهم من قبل الحق يصرفهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يزينه لهم وقال قتادة من بين أيديهم أخبرهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من قبل الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيآت والمعاصى ودعاهم اليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير انه لم يأتك من فوقك لم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة ربك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الخبيث ذلك ظنا فاصاب قال تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ (عنية) أي اعتناء واهتماما (بهم) بفتح التحتية وضم الهاء وتشديد الميم (ابغني ثوبا) بالوصل ثلاثى أي اطلب لي وبالقطع من الرباعى أى أعني على الطلب (وقوله صلى الله عليه وسلم) بالجر (ان هذا الدين متين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس والمتين بالفوقية القوى يعنى انه لقوته يغلبك كما في الحديث الصحيح لن يشاد الدين أحد الاغلبه (فاوغل) بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر المعجمة أي ادخل فيه جادا مجتهدا لكن برفق أى معه فلا تشدد حتى تخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>