لا يستفحل أمر الفتنة. وعند وصول المسلمين الى المدينة، تقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبيّ يطلب من الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يأمره بقتل أبيه لأنه حاول إشعال نار الفتنة، ولكنّ الرسول صلّى الله عليه وسلم عفا عنه قائلا لولده المؤمن:(إنا لا نقتله، بل نترفّق به ونحسن صحبته ما بقي معنا) .
وفي غزوة بني قريظة طلب يهود حضور أبي لبابة لاستشارته، فسمح الرسول صلّى الله عليه وسلم له بالذهاب إليهم. وسأله يهود: هل ينزلون على حكم محمد؟ قال لهم:(نعم) ، وأشار الى حلقه كأنه ينبههم الى أن مصيرهم الذبح.
لم يعرف أحد من المسلمين بإشارة أبي لبابة هذه الى حلقه حين استشاره يهود، ولكنه أدرك لفوره بأنه خان الله ورسوله بإشارته تلك، فمضى هائما على وجهه حتى ربط نفسه الى سارية في مسجد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وبقي على حاله هذا حتى تاب الله عليه.
وقبيل غزوة الفتح جاء أبو سفيان بن حرب الى المدينة، فقصد دار أم حبيبة ابنته وزوج الرسول صلّى الله عليه وسلم، لكنها طوت الفراش عن والدها، لأنها رغبت بالفراش عن مشرك نجس ولو كان هذا المشرك أباها الحبيب.
لقد أنفق المسلمون أموالهم في سبيل الله، حتى تخلّل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالعباءة، وكان يملك أربعين ألف دينار قبل الاسلام.
فما الذي يدفع لمتل هذه الأعمال الرائعة غير العقيدة الراسخة والإيمان العظيم؟
وهل يقاتل أصحاب مثل هذه العقيدة كما يقاتل الذين لا عقيدة لهم إلا أهواء الجاهلية وعصبية الأنانية وحب الفخر والظهور؟
إن عقيدة المسلمين بسمو أهدافهم جعلتهم يستميتون في القتال دفاعا عن تلك الأهداف.