لا قيمة لأي جيش مهما يكن ضخما في عدده، دقيقا في تنظيمه، متميزا في تسليحه ما لم تكن معنوياته عالية.
كان الجيش الإيطالي في الحرب العالمية الثانية مجهزا بأحدث الأسلحة وأشدها فتكا، وكان تنظيمه دقيقا وعدده كبيرا، ولكن معنوياته كانت منهارة؛ فأصبح عبئا ثقيلا على الألمان، فكان الحلفاء يطلقون على المواضع التي يحتلها الإيطاليون تعبير:(الفراغ العسكري) ، لأنهم كانوا يستسلمون دون قتال، كلما حاق بهم الخطر الحقيقي أو الوهمي ... فكان وجودهم وعدم وجودهم سواء.
شجّع الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه قبل معركة (بدر) وفي أثنائها وقوّى معنوياتهم، حتى لا يكترثوا بتفوق قريش عليهم في العدد، فكانت معنويات المسلمين عالية في تلك المعركة.
حتى معنويات الأحداث الصغار منهم كانت عالية للغاية كما رأيت في تسابق ابني عفراء لقتل أبي جهل.
هل كان بإمكان المسلمين الانتصار في غزوة (بدر) ، والقيام بمطاردة المشركين بعد يوم من غزوة (أحد) ، والصمود في غزوة الأحزاب، والإقدام على غزوة (تبوك) ، لو لم تكن معنوياتهم عالية جدا؟
وكما عمل الرسول صلّى الله عليه وسلم على رفع معنويات أصحابه بشتى الطرق والمناسبات، عمل على تحطيم معنويات أعدائه بشتى الطرق والمناسبات أيضا؛ وما كانت غزوة (الحديبية) و (عمرة القضاء) وغزوة (تبوك) إلا معارك معنويات لا معارك ميدان.
إن (عمرة القضاء) فتحت قلوب أهل مكة، لأنها حطّمت معنوياتهم، وغزوة الفتح فتحت أبواب مكة.