للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا معلم واحد من معالم هذا الدّين الواضحة، دين أهل الأرض أجمعين، حالا واستقبالا، مثلما هو معلم من معالم السيرة النبوية الشريفة، ومعالمها كثيرة وقوية بينة باهرة، متلألئة مناراتها.

مثلما تلمسه وتراه وتشهده في سيرة الصحابة الكرام- رضي الله عنهم أجمعين- الذين دانوا بالعبودية الكاملة لله رب العالمين في أكمل صورها، وهم يبقون نموذجا للأجيال وعلى مدار التاريخ. فعن عبد الله بن مسعود (٣٢ هـ) رضي الله عنه: (أن الله تعالى بعد أن اختار محمدا صلى الله عليه وسلم وبعثه برسالته، إن الله نظر في قلوب العباد فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده فاختار الله له أصحابا، فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيّه صلى الله عليه وسلم) «١» .

والكل مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي إن غاب اليوم عنا شخصه الكريم ووجوده الحي الوضئ وجسده الشريف، فهو باق محفوظ ماثل وقائم، بتوجيهاته وسلوكه ومواقفه وآفاق تربيته وجهاده وعبادته ودعائه، في البيت والمسجد والحياة، حربا وسلما في الرضا والغضب والانتصار والانكسار وفي دلائله وشمائله، حية متحركة متعطرة تفوح بالمسك قويا، عبقة تنشر الطيب، كأنك تراه وتشهده وترقبه أمامك قائما. وتلك هي السيرة النبوية الشريفة بشمولها وكمولها ومضامينها.

نستبين ذلك أيضا جليا من حياة الصحابة الكرام، بكل جوانبها ونواحيها وميادينها، ونراه ظاهرا جاهرا ومنظورا في سيرتهم المقتداة والمقتدية بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مهما تفاوتوا- وهم يتفاوتون- في الخير والبرّ والنصرة، لكنهم اغترفوا من هذا النبع الصافي المبارك الكريم؛ ولذلك استحقوا الأوصاف الكريمة التي وصفهم الله تعالى بها في قرآنه العظيم،


(١) حياة الصحابة، الكاندهلوي، (١/ ٤٦) .

<<  <   >  >>