للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومنها كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: ١١٠] . فكلمة «كنتم» خاصة في أصحاب محمدا صلى الله عليه وسلم وكل من صنع صنيعهم بأداء شرط الله منها «١» .

ولعل الواقع نفسه يشير إلى أبعد من ذلك، حيث يستبين أيضا في هذا المضمار المتسع أن الله تعالى قد صرّف السيرة النبوية الشريفة، آخذا بها في ماجريات (مجريات) السّيرة ومجاليها. وهي رعاية أخرى يتمّها ويتولاها ويقودها، فتسير الأحداث والأمور والناس فيما يريد الله، فكانوا دوما يقومون بما يقومون به، ومن ورائهم القدرة الإلهية وإرادتها، لتجري بنسقها الذي تضمنته، لتكون مثالا يقتدى، ودليلا يحتذى، وبها يهتدى، لكل السائرين والسالكين درب الإيمان بالله تعالى والعاكفين على دعوته، في كل زمان ومكان في كل أحوالهم ومجاليهم، أو المجاوزين لها مسلمين وغير مسلمين. فالأولون يرون فيها طريقهم وبها وحدها يهتدون، والآخرون يرون الحقائق ماثلة قوية ساطعة، فلعلهم يحسنون التعامل معها، فيهرعون إلى أحضانها ينعمون بظلالها. وفي حياة الصحابة الكرام دليل على ما أقول.

وإن الصيغ المثبتة عن الصحابة الكرام لتشي- أي: تعلن وتعلم- بقوة لا تقاوم، لتعلنها مدوّية عن روعة هذا الدين؛ كيف وماذا صنع الإسلام بهؤلاء وبأهله كافة، حيث أخذهم من سفوح الجاهلية ووهادها السحيقة بكل ضلالاتها وانحرافاتها والتواآتها- ليرفعهم إلى أعلى القمم الفاضلة، يمكن أن يرتفع إليها إنسان، لا يرتفع إليها إلا بهذا الدين، وبكل جوانبها، بتوازن وانسجام واكتمال. وهو أمر معجز في حقيقته، يشير إلى معجزة الإسلام نفسه في وجه آخر جديد، والتي يمكن أن تتكرر بعواملها.

فالقرآن الكريم بيننا وقد حفظه الله تعالى، نصّا كاملا، وحسّا عاملا،


(١) حياة الصحابة (١/ ٤٥- ٤٦) .

<<  <   >  >>