وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمة. فهو صلى الله عليه وسلم الإنسان النبي، والنبي الإنسان، ورسول الله الخاتم. ولا فصل بين كل ذلك. ولا يجوز غير هذا الفهم، ولا تتم له حياة في دائرته بحال وبأي اعتبار ومن أي منظار، حتى لكثير من غير المسلمين، ممن كانت لهم رؤية صحيحة، ولو بعضها، فكيف بالمسلمين؟ بل كيف يصحّ له إسلام بدون ذلك؟
ولو أنصف، حتى غير المسلمين نساء ورجالا ومن كل قوم وملة كانوا، لأحبوه كما لم يحبوا أحدا غيره، ووقروه، وأدنوه من نفوسهم، سواء قادهم ذلك إلى الإسلام- وغالبا ما يقود، والمفروض أن يقود، وذلك أتم وأشم- أو لم يتم.
وهذا الذي مضى كله واضح تمام الوضوح في القرآن الكريم والسّنّة النبوية والسيرة الشريفة. وهما لا بد أن يكونا المصدر الأساس لهذه السيرة الشريفة، كتابة ودراسة وتدريسا. ولا علمية ولا منهجية ولا موضوعية بدون ذلك أبدا أبدا. بل منها يجب أن تبدأ دراسة ذلك كله، كما يجب أن يا بنى بها المنهج السليم لدراسة التاريخ الإسلامي وغيره من تواريخ الأمم الآخرى، ويكون عليه الاعتماد في قضية تفسير التاريخ بشكل شامل عام، لتجنب الوقوع في التّيه، أو الخروج منه، الذي أدخلتنا فيه التفاسير المبتسرة الفجة السطحية، والتي مازالت التعديلات والترقيعات والتجميلات تدخل عليها وهي تزداد تشويها، به أو بغيره أو بنفسه. والله تعالى يقول: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: ١٨] .
ولقد كان هؤلاء الصحابة الكرام الصورة الوضيئة العجيبة التي رسمها القرآن الكريم، بأسلوبه البديع المعجز. إنه كلام الله الذي أراده سبحانه أن يكون معجزة هذا الدين الخالدة الدائمة على مدار الأجيال. أولئك الأخيار الأفذاذ والنماذج المثال، الذين صعدوا ذلك المرتقى العال، فكانت سموّا في الحياة، تحقّق في هذه النماذج القمة الفريدة السعيدة، التي ما كان لها أن تعرفها أبدا- فضلا عن ارتيادها- إلا بهذا الدين الذي أراده الله تعالى