وهذا أبو بكر حين تولى الخلافة واستعد لقتال المرتدين، أبى عليه بعض الصحابة، فقال كلمته المشهورة:(والله لأقاتلنهم وحدي ما استمسك السيف بيدي، أو ينقص هذا الدين وأنا حي)«١» .
وكنت في أشد المواقف وأصعبها، التي ممكن أن تغلب النفس على ما فيها واعتادته أيام الراحة والسلم والهدوء، أيام الحروب والشدائد وكذلك الإغراء، تراهم يلتزمون بدون أية رقابة، بلا رقابة. إنها رقابة الله تعالى التي تقود النفس (جميعها) إلى رقابة الذات.
فكان ذلك الجيل القرآني عجبا من أعاجيب هذا الدين، في قوته والتزامه وفي وفائه لله تعالى. وكأنه كلما تقدم ويتقدمون في الحياة يزدادون التزاما وحفاظا وتمكينا لما تعلموه وتربوا عليه وعيّشوه في نفوسهم، حتى بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم. ولذلك لا تكاد تجد أحدا من الصحابة الكرام قد تهاون- حتى بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلم- فضلا عن أن يكون قصر أو انحرف. وهذا معلم من معالم السيرة النبوية الشريفة وعجيبة أخرى من عجائبها وعجائب هذا الجيل القرآني الفريد.
والسيرة أمامنا نستقي منها مطلوبنا وقياسنا، آثار الإسلام في ذلك الجيل القرآني الفريد، ونقتفيه ونأخذ منه ونجعله المثال في الحياة وحمله هذه الأمانة وأدائها، وكذلك في دراسته السيرة الشريفة وآثاره. نرى ذلك في شرائحها المتنوعة، ومنها نستنبط رسم الصورة نتطلع إليهم، مقياسا وميزانا ومثالا، فيما يمكن أن يعود إليه المسلم من الترقي والإقدام والالتزام بهذا الدين ومنهجه الحكيم.
والآن- بعد هذا التجوال في مرابع السيرة الشريفة ورياضها- نعود لنبني عليه. إنه كلما تقدم أحد في الحياة وتقدم لأمور المسؤولية تظهر قوته