ونوعيته وتربيته السنية السوية القوية. وعليه فإن العلماء والقادة والخلفاء تظهر نوعيتهم وهم في الموقع والموقف أكثر، مثلما تظهر ببهائها كلما كبرت هذه المسؤولية، مهما كانت إغراآتها وانبهاراتها ومثقلاتها. ولا يفلح في ذلك أبدا إلا الفالحون المفلحون الذين تولوا كتاب الله تعالى، وجعلوه منهجا وحيدا لهم في حياتهم، إيمانا واحتسابا، واستقبلوا السنة الصحيحة منبعا وسيرته صلّى الله عليه وسلم، موئلا وقدوة.
وانظر إذا إلى كل من تولى مسؤولية لترى كيف عمل العجائب التي لا تتم إلا بهذا الدين، أفرادا كانوا أو جماعة أو مجتمعا، جنودا وقادة حكاما ومحكومين، نساء ورجالا وأطفالا وشيوخا صغارا وكبارا، حيثما أتيتهم، مكلّفين من أحد أو متطوعين، مهمات علمية أو سلمية أو حربية. وقد تجدهم بحال لم يمكن أن تعرف أو حتى تتوقعه منهم قبل توليهم. انظر أبا عبيدة والهدية التي أتته من الروم- خلال فتح الشام- فرفضها، إلا أن يعطى أفراد الجيش مثلها!!! وانظر القادة والعلماء والخلفاء كانوا وقّافين في كل أحوالهم عند كتاب الله تعالى.
وهؤلاء الخلفاء الراشدون مثلا ظهرت قوتهم في الأخذ بهذا الدين أكثر والارتقاء إلى قمم جديدة بعد توليهم الخلافة. وإذا كان ما يزال الحديث مستتبعا عن عمر، فانظر صنائعه في رعايته الناس وتواضعه وإحساسه بالمسؤولية عنهم- أمام الله تعالى- إلى حدّ أن علي بن أبي طالب- الذي كان أحد مستشاريه- قال له يوما: يا أمير المؤمنين لقد أتعبت الخلفاء من بعدك.
انظره (عمر) كيف يرفض إلا أن يحمل هو نفسه الطحين للمرأة وأولادها الجائعين، قائلا لعامله: أأنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ ثم لا يتركهم إلا بعد أن يراهم قد أكلوا وشبعوا. بل إنه منع ابنه عبد الله بن عمر أن يرعى إبله- مثل غيره من عموم الناس- في مراعي الدولة، فقد يكون يجوز أكثر مما له من ذلك لأنه ابن الخليفة.
وكانت خشية الله تعالى وعقابه وطلب رضاه ماثلا أمامهم حيا في