فيه من غضب الله تعالى، ببعدهم عن شرعه المبين الذي تراهم فرحين بتقلبهم وتقبلهم الانحدار في هذا التّيه المنكود المشقي المزري.
وهذا التقابل يرسم مشهدا حيا ماثلا يبين الفرق الهائل المتقابل بين الذين آثروا رضا الله تعالى والجنة، وبين الذين عمدوا، فأخذوا طريق عصيان الله تعالى، فحازوا غضبه والنار.
فبينما أنت تقرأ عن الضالين: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: ٥٣- ٥٦] . إذا بك تقرأ بعدها مباشرة عن المؤمنين السعداء: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ [المؤمنون:
٥٧- ٦١] . فهؤلاء متعلقون أشد التعلق وبشوق عميق ورغبة جامحة جدّ شديدة وإقبال عجيب على الله تعالى. وهم- ومع كل ما يقومون به ويؤدونه ويسارعون فيه- تراهم خائفين وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ [المؤمنون: ٦٠] .
فهؤلاء المؤمنون بالله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا لا شبيه له ولا نظير ولا كفء، ويؤمنون بكتبه، وآخرها القرآن الكريم، المكلفون بالعمل بما فيه، وبرسله وخاتمهم محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله سبحانه وتعالى بهذا الدين، وهم مأمورون بمحبته واتباعه والاقتداء به. وهم قائمون بكل ذلك، ومع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح مشفقون من عذاب الله تعالى خائفون وجلون، فجمعوا مع الإحسان الشفقة. فعن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: «لا يا بنت الصّديق! ولكنه الذي يصلي ويصوم