للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا بد قبل بيان سرعة استجابة الصحابة الكرام والمسلمين والهروع لتنفيذه، أن يعرف موقع شيوع الخمرة في الجاهلية العربية. أقول: لقد كان تعلق العرب بالخمر- قبل الإسلام، لا سيما في المدن مكة (وقريش) والمدينة وغيرها- ربما أكثر من تعلق المدمنين اليوم في الحضارة المعاصرة أو الجاهلية المعاصرة. وربما استعاض أولئك العرب بها عن الماء لأيام.

ويلحظ أن هذه الأمور- كالخمر- هي من معالم الجاهلية وعلاماتها وعاداتها- وكل جاهلية- كما نشهده اليوم في الحضارة (الغربية) المعاصرة، شرقا وغربا. والبلاد الإسلامية كثيرا ما تقلدهم في ذلك وفي غيره، وكأنها زاد تقدّم وحضارة حقّة.

كما لا بد من ملاحظة أن الذين أدركوا في الغرب خطورة الخمرة وأثرها السيىء وأضرارها المتنوعة، البدنية والعقلية والنفسية، وعلى النسل، وكذلك الاجتماعية والخلقية والحضارية. رغم ذلك فهم يعاقرونها صبوحا


(١/ ٤٦٢) . وذكر مثل هذا المشهد أو الموقف آخرون مثلما ذكره ربيعة بن عباد. زاد المعاد، (٣/ ٣٩، ٥٦٦- ٥٦٧) . أسد الغابة، (٣/ ٤٩) . السيرة النبوية، الذهبي، (١٥١) . (والذهبي يروي دعوة التوحيد: «لا إله إلا الله تفلحوا» مكررة) . ذو المجاز: من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، يقع شمال عرفة. وكات تأتي أهميته بعد سوق مجنّة، وهذا بعد عكاظ. «وكانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوال ثم تنتقل إلى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوما من ذي القعدة، ثم تنتقل إلى سوق ذي المجاز فتقيم فيه إلى أيام الحج» . مراصد الاطلاع، (٢/ ٩٥٣) . والظاهر أن سوق ذي المجاز كان أقرب هذه الأسواق لمكة، حيث هو آخر الأسواق، لتواجدهم فيها، وفيها كانت إجازة الحاج، ولعله كان أقرب الأسواق لمنازل ربيعة بن عباد. وقد كان بلال الحبشي لدى أوائل الهجرة إلى المدينة يتشوق إلى هذه الأماكن ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنّة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
رواه البخاري، رقم (١٧٩٠) . ومسلم، رقم (١٣٧٦) . سير أعلام النبلاء، (١/ ٣٥٤) .

<<  <   >  >>