للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمور لو تدبّرها حكيم ... إذا لنهى وهيّب ما استطاعا «١»

وهذا كله مما يجعل النداء إلى دين الله قائما ولازما على أهله، معلنين الدعوة إلى هذا الخير والاستقامة والصلاح، الذي لا يتم إلا بهذا الدين وحده، ولا طريق له إلا من هذا الدين فهو وحده الطريق. وهو أقصر الطرق وأصدقها وأنجاها، فضلا عن كونه أجودها وأبركها وأحلاها. فإن تقوى الله وحدها والأخذ بمنهجه- عقيدة وعبادة وشريعة- هي دوما وحدها الكفيلة بإصلاح القلوب وإنارة النفوس وتعمير الحياة. وهذه التقوى لله تعالى والأخذ بشرعه تقوم على الأساس الأمين والركن الركين وهو لا إله إلا الله، بشمول معناها وعمق مبناها ودليل محتواها. وهي دعوة جميع الرسل، عليهم الصلاة والسلام. والرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم دعا إليها طول عمر النبوة المنيرة الخيّرة المباركة.

وخلال الدعوة المكية كانت الدعوة إليها باعتبارها الأساس الذي يقوم عليها البناء الإسلامي كله. وكانت خلالها هي القضية الوحيدة التي يعمل لها، ويجاهد لأجلها وينادي داعيا إليها «٢» .

من ذلك ما رواه الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد، وكان جاهليا فأسلم، قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصر عيني بسوق ذي المجاز (يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله) يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» «٣» .


(١) هذا البيت من قصيدة في الحكمة للقطامي (نحو ١٣٠ هـ) . «تدبرها» : نظر في عواقبها. «نهى» : انتهى عن فعلها. «هيّب» : خوّف الآخرين منها وحذّرهم إيّاها.
(٢) انظر: التفسير، (٢/ ٩٧٣، ٩٨٧) .
(٣) المسند، (٣/ ٤٩٢) ، (٤/ ٣٤١) . المعجم الكبير، الطبراني، (٥/ ٦١) ، رقم الحديث (٤٥٨٢) . سير أعلام النبلاء، (٣/ ٥١٦) ، رقم (١٢٤) . حياة الصحابة، (١/ ١٠٧) . سيرة ابن هشام، (١/ ٤٢٣) . (ويذكر منى بدلا من المجاز، لقربها منها. ولعل رؤية ربيعة للرسول صلّى الله عليه وسلّم تكررت في عدة أماكن لقرب منازلهم من هذه الأمكنة المرتادة، للحج أو التجارة والمشاركة في هذه الأسواق) . سيرة ابن كثير،

<<  <   >  >>