للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الإسلام بعد الجاهلية: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: ٥٠] .

لقد حدثت الاستجابة لتحريم الخمر لدى الجيل الخيّر، والانتهاء منه، مثلما حدث في موضوع الحجاب، الذي تستبين من خلاله طاعة النساء كلهن، وهن جزء من المجتمع الإسلامي والجماعة المسلمة ونصفه. وكيف أيضا فرح الرجال بتنفيذه. وفي تحريم الخمر كذلك كانت نفس الاستجابة.

والحق أننا لا ننتظر إلا هذه الصورة الفريدة. لأن الإسلام هو الذي يصلح القلوب التي منها يأتي كل الصلاح «ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» «١» .

ومع ما كان للخمر من مكانة في نفوس أولئك القوم ومن تعلّق شديد ومعاقرة متسعة. انظر كيف كانت استجابتهم- بعد أن تربوا على الإسلام- للإقلاع عنها وعدم التعامل معها أو التداول بها أو التمثل بالأقاويل فيها، بأي شكل وحال. ما كان أحد يتصور- بدون الإسلام- أن يقلع أحد منهم عنها، فضلا عن أن يكون بالشكل الذي تم به، بعد ذلك التعلق الشامل والمعايشة الدائمة والإدمان الشنيع، إلى حدّ كانت من مفاخرهم في نواديهم ومجالسهم وشعرهم كذلك.

فالآيات الكريمة والأمثلة الواضحة والروايات المتعددة كلها تبين وتؤكد وتؤيد بشكل شامل، على تغلغل هذه الظاهرة- معاقرة الخمرة- في المجتمع الجاهلي. وكانت هي والميسر الظاهرتين البارزتين المتداخلتين في تقاليد هذا المجتمع.

فماذا صنع المنهج الرباني لمقاومة هذه الظاهرة المتغلغلة؟ ماذا صنع


(١) رواه البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢) . ومسلم، رقم (١٥٩٩) . انظر: أعلاه، ص ٧٥ وبعدها.

<<  <   >  >>