للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمكافحة هذه الآفة، التي لا يقوم معها مجتمع جاد صالح مستقم واع أبدا؟

ماذا صنع ليقف في وجه عادة أصيلة قديمة، تتعلق بها تقاليد اجتماعية، كما تتعلق بها مصالح اقتصادية؟

لقد عالج المنهج الرباني هذا كله ببضع آيات من القرآن! وعلى مراحل، وفي رفق وتؤدة. وكسب المعركة، دون حرب ودون تضحيات ودون إراقة دماء. والذي أريق فقط هو دنان الخمر وزقاقها، وجرعات منها كانت في أفواه الشاربين- حين سمعوا آية التحريم- فمجّوها من أفواههم ولم يبلعوها!!

لقد اتبع الإسلام- وهو دين الله تعالى- أسلوب التدرج أمام هذه القضية. علما أن هذا مرتبط بنوع البناء والتربية الربانية للجماعة المسلمة، وما كان يثمر أبدا، لا هذا ولا غيره بدون هذه القاعدة الإسلامية الصّلبة.

ولقد كان للتحريم مراحل سبقت ومهدت له، حتى بات المسلمون هم أنفسهم يطلبون البيان الشافي في هذا ويستعدون، بل ويتمنون تحريمها.

وهذه السّمة والعلامة والاتجاه هو ما أسميه الاستعداد المسبق المتقابل الذي يجعل النفس المسلمة ذاتها- بتربيتها- تطلب الوقوف عند الصيغ الإسلامية قبل الأمر بها، فإذا ما جاء ذلك الأمر كان التنفيذ سريعا. وهذا ما يجعله ترنو إليه بما تربت عليه قبل الأمر به، وعند ذلك يكون سبّاقا في قبوله وانطلاقه له، بل وفرحا بالأخذ به حريصا عليه، ومن فوق هذا الأفق الكريم المتسامي في امتثاله.

جرى لتحريم الخمر ثلاث أو أربع مراحل، وذلك بعد بناء هذه النفس المسلمة ومجتمعها على كلمة التوحيد الخالص لله تعالى في العقيدة والعبادة والشريعة، وهو معنى ومحتوى ومقتضى كلمة «لا إله إلا الله» ، الكلمة التي لا يقدّم عليها شيء ولا يفوقها ولا يقوم قبلها. وكل أمر يا بنى عليها، بعد قيامها في النفس.

<<  <   >  >>