رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: ١٦٥]«١» . وبيّن لهم وأراهم الصيغ الحقة التي لا بد أن تصطبغ بها أعمالهم، خلوصا لله تعالى، إيمانا واحتسابا صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ [البقرة: ١٣٨] .
وإذا كانت هناك دول- مثل الولايات المتحدة الأمريكية- ذات إمكانيات ضخمة حاولت منع الخمر، واستعملت كل وسائل الإعلام والإبلاغ والإقناع، ثم فشلت، فألغت المنع، وأعادت إباحتها، فلماذا منعت وتكلفت، ولماذا أباحت من جديد؟ وهذا يجعل الفرق واضحا- وهو أحد وجوهه- بين الإسلام وغيره، لا يدع مجالا للادعاآت والأوضاع. ليس فقط في مقدرتها وصدقها، ولكن كذلك في نوع المنهج وتوجهه وأحقيته.
مهما ادعت هذه الحضارة التي تحمل من الأدواء والفساد والإفساد ما يقود إلى دمارها، كما سبقت الإشارة إليه.
والواقع الحالي يجعل ادعاآت هذه الحضارة الحديثة وأمثالها وغيرها- وكل تقدم أو منجزات بعيدة عن منهج الله تعالى، قانونا لا يتبدل- يجعلها عديمة القيامة خالية الأهمية خاوية المصداقية، أدركت ذلك أو لم تدركه، الأمر الذي يتيح القول في أن الفساد والشرور والمعاصي مدمرة للحياة الإنسانية مبيدة لحضارتها، بل عقبة كأداء ضروس عبوس في طريق كل إصلاح وبأي ميزان. ولكن الأشد منه أن يكون هذا ملفوفا بلفائف مدّعاة تجعل من ذلك الشر خيرا، إيهاما وإرغاما وانتقاما.
وهذا ما يجري في الحضارة المعاصرة وتوابعها، وهي سمة من سماتها، الأمر الذي يجعل سوس الفساد والنخر يستمر في فعله وآثاره حتى يتهدم الهرم الضخم- في شكله وهيئته- فجأة، قشة أمام الأعاصير تذروها