وكرائم ومحامد. ومن هنا كان الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم يدع القادمين إلى المدينة المنورة يقيمون فيها أياما- مسلمين وغير مسلمين- ليروا وليشاهدوا نوعية هذا المجتمع الرباني الذي أنشأه الإسلام ونشّأه بهذا القرآن. فهو تربية وإخراج، كما قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: ١١٠] .
كانت إقامة القادمين إلى المدينة المنورة مقصودة، على ما يبدو، ولمدة كثرت أو قلت، وتكون على الأغلب نحو ثلاثة أيام.
وتبين من خلال متابعاتي في السيرة النبوية الشريفة- على صاحبها الصلاة والسلام- أن الذي يأتي إلى المدينة من غير المسلمين- بأي دافع وسبب- لا أحد من الصحابة يشرح له الإسلام على الإطلاق، ولم يوجّه الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أحدا ليقوم بذلك، بل لعل التوجيه ألا يفعله أحد.
وأفهم منه أن يترك القادم هو نفسه يتولى معرفة الإسلام من خلال ما يراه من سلوك أهله وأخلاقهم وتعامل مجتمعهم، وذلك يكفيه وزيادة، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك كله. كما أن الشرح قد يشير- مما يشير إليه- إلى إجبار القادم- بشكل ما- على قبول الإسلام، الذي لا يكون إلا بالقبول الذاتي القلبي الأصيل. يلزم به نفسه ويفرح بأخذه منهجا ويا بني حياته عليه.
وهو بهذا يسعى إليه ولو على حياته. وهذا ما يريده الإسلام، وهو الذي رأيناه من هؤلاء الذين يصرون عليه ويأتون إلى المدينة معتمدين متعمدين محتملين حتى من أهليهم فارين إلى مدينته ومجتمعه ونبيه صلّى الله عليه وسلم.
وبهذا انتشر الإسلام. وهذا يدل دلالة واضحة قوية جادة على نوعية المجتمع المسلم وقوة التزامه وشمول إقباله على منهج هذا الدين.
فأينما يلتفت القادم لا يرى إلا عجبا في هذا الدين وماذا صنع بأهله، إذ أخذهم إلى قممه السامقة وأجوائه العبقة ومجتمعه الكريم الذي صاغه هذا المنهج الرباني الوضئ الجديد الفريد.