للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أيضا عند الوفاة: (لقد طلبت القتل مظانّه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي. وما من عملي شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتّها وأنا متترّس، والسماء تهلّني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار. ثم قال:

إذا متّ، فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله) «١» .

انظر إلى هذا التحول العجيب، فبعد ذلك العداء المتناهي يصبح لا همّ له في حياته إلا خدمة هذا الدين؛ الذي غدا عنده أغلى من حياته، وخير ما يفرحه خدمته والعمل له وبه والجهاد بكل الطاقة الإيمانية الجديدة في سبيل الله بل أصبح يتبرك حتى بشعر من رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وذلك أن أبا سليمان خالد بن الوليد افتقد يوم اليرموك قلنسوته «٢» ، فبحثوا عنها فلم يجدوها.

واستمر البحث حتى وجدوها، فإذا هي خلقة (خلقة بالية) فقال:

(اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته الكريمة الشريفة فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر) «٣» .


(١) سير أعلام النبلاء، (١/ ٣٨١) . الإصابة (١/ ٤١٤) . أسد الغابة، (٢/ ١١١) .
(٢) وهو لباس للرأس متنوع الأشكال والألوان.
(٣) سير أعلام النبلاء، (١/ ٣٧٤- ٣٧٥) . الإصابة، (١/ ٤١٤) . وكان هذا في عمرة حجة الوداع، التي كانت رابع عمرة من عمر الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم. انظر: صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب كم اعتمر النبي صلّى الله عليه وسلم، رقم (١٦٨٥- ١٦٨٩) . كذلك صحيح مسلم، كتاب الحج، باب عدد عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وزمانهن، رقم (١٢٥٣) . وفي هذه المعركة (اليرموك، ١٥ هـ) من فتوحات الشام، عزل عمر بن الخطاب خالد ابن الوليد عن القيادة وتولاها أبو عبيدة بن عامر بن الجراح، فلم يخبر خالدا إلا بعد المعركة. وهنا موقف فريد من الاثنين، حيث يقول خالد: إن الأمر عنده سواء أن يكون قائدا أو جنديا، لأنه يقاتل في سبيل الله تعالى. وأبو عبيدة لا يخبره إلا بعد انتهاء المعركة، بينما الأمر بذلك وصله قبل المعركة!!! ولكن عزل خالد لأسباب رفيعة أصيلة وكريمة غير التي يرددها الجهلة والحاقدون

<<  <   >  >>