للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حدث هذا في معركة بدر الكبرى (١٧ رمضان السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة) . وهو أمر دائم، فالله سبحانه وتعالى ينزل نصره على أوليائه، ما داموا على شريعته قائمين، ويجعل ويحلّ الهزيمة على أعدائه، مهما ومن كانوا وما ادعوا وما تبجحوا وأظهروا أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر: ٤٣- ٤٥] «١» .

وجاء في التنذير والتنبيه والتحذير- بعد تلك الأمثلة والشواهد والمشاهد في سورة العنكبوت للعرب أنفسهم من قريش وأهل مكة والجزيرة وغيرهم- المخاطبين بذلك أولا، ويشمل كل أحد مثلهم- إن هم حاربوا هذا الدين وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [العنكبوت: ١٨- ٢٠] .

ومن حكمة الله تعالى ونعمته ومنّته أن لم يكن المحق والسحق والدمار للمعاندين في أمر هذه الدعوة الكريمة، الذي كان مصير أمثالهم في دعوات الله السابقة؛ لأن هذا دين الله العام لأهل الأرض أجمعين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وهي كذلك رحمة منه، لحكمة يريدها وهو بها عليم.

ولكن جهاد المؤمنين بها، صابرين على كل أنواع الأذى والاضطهاد والتعذيب، حتى نصر الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم وجنده ودعوته بهؤلاء المؤمنين


(١) انظر تفاصيل ذلك كما رواها البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، باب قوله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ، رقم (٤٥٩٤- ٤٥٩٦) . علما أن سورة القمر هي مكية ونزلت قبل الهجرة بعدة سنوات. ولم يفهم جمهرة الصحابة الكرام- إن لم يكن كلهم- فهم الواقع العملي لمعنى هذه الآيات إلا عندما نصرهم الله سبحانه وتعالى في بدر أو عند ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ميدان المعركة وقبل ابتدائها يتلو هذه الآية الكريمة، كما أشير إلى ذلك في البخاري في الهامشة الحالية توا.

<<  <   >  >>