للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رباهم على الإيمان القوي العميق بالله رب العالمين ودينه العظيم ونبيه الكريم. وعلموا أن لهذا الدين والإيمان به حقيقة يجدونها في أنفسهم، تجعل كلماته أجزاء من أبدانهم بل تفتدى لها أبدانهم. تتحول إلى عمل ماض وصوت جهير وإصرار مضئ، في واقع الحياة. آثاره تجول وتصول، وثماره تنادي وتقول، تفصح عن حقيقته وتؤكد وجودها. وعبروا عنه صورا متلألئة، ف «ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل» «١» .

ومهما كانت تكاليف هذا العمل يجري ذلك ويتم بدون موازنات أو حسابات أو أي اعتبارات، تترجح عندها الأمور الدنيوية. بل هي لا ترد في هذه الحسابات ولا وزن لها في كفته، بل هي تفتدى من أجل الحصول على رضا الله تعالى، بطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم في رفع شأن هذا الدين وإعلاء كلمة الله في كل موطن، مهما كانت التكاليف وغلت التضحيات.

ويوم مرّ الحارث بن مالك الأنصاري «٢» برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: «كيف أصبحت يا حارث؟» قال: أصبحت مؤمنا حقا. قال: «انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟» ، فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري. وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا.

وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال صلّى الله عليه وسلم: «يا حارث، عرفت فالزم» ثلاثا «٣» .

فحقيقة الإيمان بهذا الدين، آثار واضحة وثمار جلّى ناضجة، يراها كل


(١) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن أنس بن مالك. وانظر: التفسير، (٣/ ١٤٧٤) .
(٢) عنه انظر: الإصابة، (١/ ٢٨٩) ، رقم (١٤٧٨) ، (١/ ٣٨٨) ، رقم (٢٠٥٥) الطبراني، (٣/ ٢٦٦) . أسد الغابة، (١/ ٤١٤) . حياة الصحابة، (٣/ ٢٣) . وانظر كذلك: التفسير، (٣/ ١٤٧٨) .
(٣) حياة الصحابة، (٣/ ٢٣) . التفسير، (٣/ ١٤٧٨) .

<<  <   >  >>