للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» «١» .

وهذا تصوير لحقيقة هذا الدين والإصرار عليه، من الهادي القدوة والأسوة- صلوات الله وسلامه عليه- روحا استرضعها الصحابة واستنبتوها، شجرة باسقة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا تعرف غير هذا اللون من الثمار دائما، ومع كل الظروف.

وقال صلّى الله عليه وسلّم مثل ذلك في المدينة، بعد أن نصره الله وأقام دولة الإسلام وحكّم شريعة الله، حيث بها قام مجتمع فاضل كريم، أيام الحديبية (٦ هـ) حين تعنتت قريش وركبت رأسها: «يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم، دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش. فو الله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به، حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» «٢» .

وبذلك تسمو الحياة الإنسانية وتتأكد معالمها وتشرق لوامعها. بل إننا لنجد في التضحيات والإقدام تمتلئ الساحات، يتنافسون فيها ويقدمون، كلما زاد الخطر وأقبلت الشدائد واعتركت المعامع، تكاثر الناس بالمواقف الشوامخ، حتى لنرى عجبا من التصرفات والأعمال، ما يظهر معادنهم الباهرة وشواهدهم النادرة، وفي شكل متسع ونوعية تعبر عن ذلك البناء الفرد أو المتفرد، تربّوا على مائدة القرآن، مقتدين برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهما وعملا.

فهم كما وصفهم الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلم «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون


(١) سيرة ابن هشام، (١/ ٢٦٦) . سيرة ابن هشام (بشرح الخشني، (١/ ٣٢٩- ٣٣٠)) . سيرة الذهبي، (١٤٩) .
(٢) سيرة ابن هشام، (٣/ ٣٠٩) . «السالفة» : صفحة العنق: وهي كناية عن القتل.

<<  <   >  >>