للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة» ؟ قال: نعم، قال: لهذا جئت. ثم عاد لتوه إلى المدينة «١» .

ومثل هذا متكرر في الصحابة ومن بعدهم. فعل ذلك جابر بن عبد الله ابن عمرو بن سلمة الأنصاري «٢» . وكذلك فعله أبو أيوب الأنصاري «٣» ، إذ قدم من المدينة إلى مصر لأخذ حديث عند صحابي آخر هناك ثم رجع إلى المدينة على راحلته قبل أن يحل رحله «٤» . والأمثلة في ذلك كثيرة «٥» .

والصحابة قد ورّثوا هذا وغيره، مما تعلموه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إلى من تلاهم من الأجيال. حيث ظلت كلماته صلّى الله عليه وسلّم ترن في آذانهم وصورته لا تفارقهم، والقرآن الكريم وسنته وسيرته صلّى الله عليه وسلّم في صدورهم تملأ نفوسهم وتعمّر قلوبهم. وعلى دربهم- في كل ذلك- سار التابعون ومن بعدهم.

فدوّنت كل ذلك وكانت مقوّما من مقومات الحياة الإسلامية، لمجتمع الأمة وحضارتها، يرتقي الناس عندها ويمتازون بها ويتبارون فيها، وفي حلبتها يتسابقون، تعلما وتمسكا واقتداء وخبرة، يبذلون ما اكتسبوه من علمها، ويتعبون لاقتنائه ويقدّمونه لكل أحد وينادون عليه بسلوكهم وحسن


(١) حياة الصحابة، (٣/ ١٩٨) .
(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو بن سواد بن سلمة الأنصاري (٧٤ هـ) . من مشاهير الصحابة وأحد المكثرين من الرواية. روى له أصحاب الصحاح الستة (١٥٤٠) حديثا. شهد- هو وأبوه- العقبة الثانية، وأبوه أحد الاثني عشر نقيبا. وشهد هو مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكثر من عشر غزوات. رحل إلى مصر والشام، من أجل حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم، واشترى بعيرا واشتد رحله وسار لأكثر من شهر من أجل ذلك، ثم عاد إلى المدينة، وكانت له في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حلقة علم. راجع: الإصابة، (١/ ٢١٣) ، رقم (١٠٢٦) سير أعلام النبلاء، (٣/ ١٨٩) . حياة الصحابة، (٣/ ١٩٦) .
(٣) عن أبي أيوب، انظر: سير أعلام النبلاء، (٢/ ٤٠٢) .
(٤) مسند الإمام أحمد، (٤/ ١٥٣) . سير أعلام النبلاء، ((٣/ ٤٢٥) . حياة الصحابة، (٣/ ١٩٨) .
(٥) انظر: أضواء على الحضارة والتراث، لكاتب هذه السطور.

<<  <   >  >>