وهذا أمر لا يختص بعصر دون غيره. والمسلم الآن بحمد الله مستريح، أن لم يحدث أي تفلّت لشيء مما يتعلق بتلك السيرة، فكان تسجيلا شاملا كاملا لكل ما صدر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم. كأنه تسجيل يكاد أن يبلغك صوته، بل ترى كذلك صورته، ضمّ كلّ الدقائق والأحوال والأحداث، وكأنه شمل الزمن بكل لحظاته في نبوته الشريفة عليه الصلاة والسلام.
وهو أمر مستمر، بعد أن قيض الله لهذه السيرة من يحفظها، حتى في جزئياتها، في ليل أو نهار في يقظة أو منام في سلّم أو حرب، وعلى كل اجتماع وطعام وانفراد أو انقياد، في كل الملتقيات، السكون والحركة والسكوت والكلام، حتى في بيته وخاصة نفسه وحاله وخصوصيات تصرفاته وأنواع رغباته وألوان عباداته ودعواته، وكافة أخلاقياته العطرة وشمائله الخيرة وعموم سيرته النيرة، مع كل أحد وفي كافة الأحوال، وفي تعاملاته مع الجميع في البيت مع أهله وفي الحياة مع صحبه وفي اللقاآت مع القادمين والذاهبين ومع المتوجهين إلى الأقوام والشعوب والجماعات والزعماء والرؤساء والملوك في كافة مقاماتهم ومواقفهم وأوضاعهم، طاعة لله بشرعه الذي أرسله الله سبحانه وتعالى به، وهو له خير قدوة، عبادة لله تعالى ومحبة فيه وسعيا لمرضاته.
وفي كل الأحوال لا تكاد تترك لحظة من ليل أو نهار، طوال تلك الأعوام الكريمة المضيئة الوضيئة الثلاثة والعشرين، عمر النبوة الشريف المبارك والمباركة، والرسالة الفاضلة والوحي المترادف والصلة المستمرة بالله رب العالمين «١» .
(١) جرت العناية بالتأليف في السيرة النبوية الشريفة، باتساعها وشمولها وأبعادها، في كل العصور. وقد ضمت المؤلفات في كل هذه الجوانب واعتنت بها، ودققت بعمق واضح فيها.