للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحت السياط، وحتى الدعوة الإسلامية، وهي مطاردة كان أعداؤها- وهم يحاربونها- يدركون أن حربهم لها ليس معتادا لهم، إنما هناك في الأمر جديد، سر كامن لا تمت إلى بشر لكنه فوق طاقته، يحسون ويكادون يدركون- أو يدركونها فعلا- أنها من عند الله، بل فعلوا ذلك إقرارا باللسان حين استمعوا إلى كتاب الله تعالى. وانظر قصة الوليد بن المغيرة المخزومي (أبو خالد بن الوليد وأخوه الوليد بن الوليد) . ومثلها قصة عتبة بن ربيعة «١» .

ثم إن ذلك الجيل النبوي استمر يأتي بالعجائب- بمسحة المعجزات- التي حتى لو كان بناء الأفراد بذلك المستوى قد يتفلّت كثير منها في الأعمال الجماعية لا سيما الشديدة القوية، تفوق طاقاتهم وإمكاناتهم، أعني بذلك- بصورة رئيسية- الفتوحات الإسلامية وأمثالها من المواجهات، كحروب الرّدّة مثلا.

إن مواجهة المسلمين للامبراطوريتين الرومية والفارسية الساسانية، اللتين حكمتا العالم المعروف يومها، وكانتا تمتلكان القوة العسكرية والبشرية والمادية، أمر تجاوز حدوثه حدا وراء الخيال. بل إن مواجهة واحدة منها ودون القضاء عليها، بل وحتى أن يتناوبا الهزيمة والنصر سجالا، لكان شيئا غير اعتيادي ولا مألوف ولا مسموع ولا يمكن تصوره، فكيف لو انتصرت عليها، بل فكيف لو قضت عليها. إذن فما القول في مواجهتهما معا والقضاء عليهما جميعا في وقت قصير وذهابهما إلى الأبد. «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ... » «٢» .

وهذا أمر لا يمكن تصور حدوثه أبدا في أي عصر من العصور. علما


(١) عن قصة الوليد بن المغيرة، انظر: التفسير، (٦/ ٣٧٥٦) . وعن قصة عتبة، انظر: التفسير، (٦/ ٣٤٢٢) .
(٢) انظر: أعلاه، (٨١- ٨٢) . أستشعر أن هذا الحديث- وقد قيل قبل هلاكهما ببضع سنين- فيه الحث والإخبار والتعريف بحدوث ذلك، فهو- لا شك- من المعجزات المحمدية.

<<  <   >  >>