للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتل حتى قتل. فكان أول قتيل «١» .

وصورة أخرى في معركة بدر كذلك- وما أكثر الصور فيها وفي غيرها- إذ سأل عوف بن الحارث «٢» ، فقال: يا رسول الله، ما يضحك الرّب من عبده؟ قال: «غمسه يده في العدو حاسرا» . فنزع درعا كانت عليه فقذفها! ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل «٣» .

وهذا وأمثاله يقوم على الإيمان القوي العميق الوثيق بالله تعالى وكتابه العظيم ورسوله الكريم صلّى الله عليه وسلم. فهو يأتي بالعجائب غير المسموعة ولا المنطورة ولا المعروفة، والتي لا تخطر على بال أحد.

لكنه برز أمام العيان أن المجتمع المسلم- كمجتمع الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ومن على منوالهم وعلى مدار التاريخ- يكون في أموره وحياته ومعيشته صورة مصغرة عن الحياة في الآخرة من الرقي المثال والخلق الرفيع والتعامل الفاضل. فهي تكون معيشته من ناحية الاكتفاء والاستمتاع وروعة النّتاج وتوفره لكل أحد. وهذا بطبعه- في الحياة الدنيا- ينتفع منه من يحيا في المجتمع المسلم ويظلّله بوارف ظله ومن يقتبس منه ممن في خارجه أو مارا به أو حتى سامعا عنه. وهذا لكي يشهد غير المسلمين روعة هذا الدين مما هو محروم منه، لكي يكون مجتمعه دوما متميزا يرى الناس فيه صيغ هذا الدين ماثلة أمامهم شاهدا على دين الله تعالى ومنهجه. وهو بذاته دعوة قائمة لا مجال لتجاهله أو إنكارها وعندها يبقى الناس بين معجب يقوده ذلك إلى الانضواء تحت لوائه أو مسالم يقترب يوما فيوم منه ليطرق بابه


(١) زاد المعاد، (٣/ ١٦٢- ١٦٣) . انظر: السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ١٤١) . نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي، (٧٣- ٧٤) .
(٢) ابن عفراء؛ الصحابية الجليلة ذات المواقف، شأن كل الصحابيات، رضي الله عنهن.
(٣) السيرة النبوية، ابن هشام، (١/ ٦٢٧- ٦٢٨) . «يضحك» : تعني: يرضي.

<<  <   >  >>