للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه، والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدّقه. قال: فقام عنه الأخنس وتركه «١» .

وقد وصف الله تعالى ذلك بقوله العظيم، مخاطبا رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلم:

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .

ومضى الصحابة بهذا الخلق مقتدين برسول الله صلّى الله عليه وسلم، يسمعون فيهرعون إلى الامتثال، بكل محبة وشوق وفرح. فكانوا يسعون لكل أمر يقربهم إلى الله تعالى، مهما كان شاقا، سواء يسمعونه فيأتمرون، أو يسألون عنه فيسارعون.

فانظر إلى عمير بن الحمام حين سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في معركة بدر يقول: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة» . فقال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة، وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء. ثم قذف التّمرات من يده وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل «٢» .

ويذكر ابن القيم كلاما إضافيا في هذه القصة، فيقول: ولما دنا العدو وتواجه القوم، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الناس، فوعظهم وذكّرهم بما لهم في الصبر والثبات من النصر والظّفر العاجل وثواب الله الآجل، وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد في سبيله، فقام عمير بن الحمام، فقال:

يا رسول الله، جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» . قال: بخ بخ يا رسول الله، قال: «ما يحملك على قولك بخ بخ» ، قال: لا والله يا رسول الله إلّا أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها» . قال:


(١) السيرة النبوية، ابن هشام، (١/ ٣١٦) .
(٢) السيرة النبوية، ابن هشام، (١/ ٦٢٧) .

<<  <   >  >>