للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونبيها ودعاتها وأتباعها من العلو والسمو والوضوح، في مسالكهم وتعاملهم وأخلاقياتهم أن ذلك أمر مسلّم به. فهم يعترفون بإصرار بهذه الأخلاق العوالي التي لا يمكن إخفاؤها، بل كانت القوة والظهور والاعتزاز، أنهم يعترفون بها بإعجاب وإصرار.

فهذا أبو جهل فرعون هذه الأمة وهو يقود قريشا وأهل مكة لقتال الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم وإبادة الإسلام والقضاء على المسلمين، إلى معركة بدر (١٧ رمضان، سنة ٢ هـ) وبعد فشل كل المحاولات- من عدد من زعماء قريش ومكة- لترك الحرب والعودة إلى مكة بعد نجاة العير القادمة من الشام، بقيادة أبي سفيان وحماية سبعين من فرسان قريش وشجعانها- التي خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لاعتراضها- أصر أبو جهل على مواجهة المسلمين والقضاء على الإسلام ونبيه صلّى الله عليه وسلّم وأتباعه «١» .

وفي الطريق سأل الأخنس بن شريق أبا جهل منفردا- خلا به- فقال له:

يا أبا الحكم أخبرني عن محمد: أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ها هنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا! فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدا لصادق، وما كذب محمد قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسّقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ «٢» .

ولدى ابن إسحاق في سيرته أورد هذا المعنى- بعد أن يذكر استماع زعماء قريش إلى القرآن الكريم- فيقول: ثم خرج (الأخنس) من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الرّكب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل


(١) التفسير، (٣/ ١٤٥٣- ١٤٦٣) .
(٢) التفسير، (٢/ ١٠٧٥) . أعلاه، ص ٣٠٥.

<<  <   >  >>