للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد. قال:

فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا «١» .

وهذا الحب العظيم لم يكن مقصورا على أحد دون أحد، الكل كذلك، وهو أمر طبيعي، كما سبق بيانه قبل قليل «٢» . وكان هو صلّى الله عليه وسلّم يبادلهم هذا الحب، يحبهم ويرعاهم ويؤثرهم، تشهد ذلك في كل موطن.

فلدى وصول موكب النبوة الكريم إلى المدينة المنورة في الهجرة الشريفة، استقبله نحو خمسمئة من الأنصار بأسلحتهم، وخرج أهل المدينة والعواتق «٣» فوق البيوت، يقلن: ما رأينا منظرا شبيها به، الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء رسول الله. ويصف أنس بن مالك ذلك اليوم فيقول: (شهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما قطّ، كان أحسن ولا أضوأ (أنور) من يوم دخل المدينة علينا، وشهدته يوم مات فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه) «٤» . وخرجت الجواري (النساء) من بني النجار يضربن الدفوف وينشدن:

نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار

فقال لهن رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أتحببنني» ؟ قلن: أي والله يا رسول الله.

فقال: «وأنا والله أحبكم» قالها ثلاثا «٥» .

كان الصحابة جميعا يحسون بقربهم منه وقربه منهم، متواضعا للجميع وإلى أبعد الحدود، لأنه تواضع لله تعالى، ومن يتواضع لله يرفعه، ومن لا يتواضع لله لا يتواضع لغيره ولا يعرف التواضع إليه سبيلا. ففي فتح مكة (٢٠ رمضان ٨ هـ) حين دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ووصل إلى ذي طوى «وقف


(١) السيرة النبوية، ابن هشام، (٣/ ٢٣١- ٢٣٢) .
(٢) وانظر، أعلاه، (٦٠- ٦٥) .
(٣) «العواتق» : جمع عاتق، وهي الشابة.
(٤) رواه الإمام أحمد، (٣/ ١٢٢) . زاد المعاد، (٣/ ٥٥) .
(٥) السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ٢٥) .

<<  <   >  >>