للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففرش له قدمه فوضع خده عليها وقد طابت نفس عبيدة بذلك، ثم قال عبيدة: أما والله لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لعلم أني أحق منه بقوله «١» :

كذبتم وبيت الله يبزا محمد ... ولمّا نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وفي بدر لما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعدل صفوف الصحابة استعدادا للقتال، وبيده سهم يعدل به القوم فمر بسواد بن غزيّة، وهو مستنتل (متقدم) من الصف فأشار صلّى الله عليه وسلّم إليه قائلا: «استو يا سواد» . فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، قال: «فأقدني» فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بطنه الشريفة وقال: «استقد» . قال: فاعتنقه فقبّل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟» . قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخير «٢» .

فلا يوجد وما وجد في العالم كله أحد أحب أحدا كما أحب أصحاب محمد محمدا صلّى الله عليه وسلم «٣» . والحق أن هذا دائم، فالحب هو طبيعي لكل مسلم حق، على مر العصور حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وانظر هذه الصورة كذلك: أن رجلا من أهل الكوفة قال لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن


هشام، (١/ ٣٢٥) ، (٣/ ٤١- ٤٢) . لاحظ أن الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم أخرج أهله وأقاربه للمبارزة، للقتال والقتل. وهكذا يفعل صلّى الله عليه وسلّم دوما في الأخطار، ويبدأ بنفسه وأهله، آخذا بأشق التكاليف وأثقلها وأخطرها، وهكذا دوما!!!.
(١) السيرة النبوية، ابن هشام، (٣/ ٢٤) . السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ١٣٩) . وتجد القصيدة كاملة: سيرة ابن هشام (١/ ٢٧٢- ٢٨٠) . «نبزى» : لا نبزى: يقهر ويغلب. والكلام على حذف (لا) والبيتان من قصيدة أبي طالب اللامية المشهورة. ويقسم أنه لا يسلمون محمدا صلّى الله عليه وسلّم حتى يموتوا حوله. «الحلائل» : الزوجات.
(٢) السيرة النبوية، ابن هشام، (١/ ٦٢٦) . السيرة النبوية، أبو شهبة، (٢/ ١٣٩) .
(٣) السيرة النبوية، ابن هشام، (٣/ ١٧٢) .

<<  <   >  >>