للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- خال أنس- من خلفه، فطعنه برمح حتى أنفذه. فقال حرام: فزت وربّ الكعبة. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأصحابه: «إنّ إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا:

اللهم بلّغ عنا نبيّنا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا «١» » «٢» .

أي تكافل هذا، وأي ترابط، وأي نصرة! لا يمكن أبدا أن تكون إلا بهذا الدّين، حيث استجاب هؤلاء هذا اللون من الاستجابة القوية، فكانوا ممن شملهم قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: ١١٠] ، وكانوا به الجيل المثال.


(١) رواه الشيخان (البخاري ومسلم) ، متفق عليه. البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من ينكب في سبيل الله، رقم (٢٦٤٧) ، واللفظ لمسلم: صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم (٦٧٧) ، رقم حديث الباب (٢٩٧/ ١، ١٤٧/ ٣) . مسند الإمام أحمد (٣/ ٢٥٥، ٢٧٠) . رياض الصالحين (٥٠٦) .
(٢) وأما أهل الصّفّة أو أصحاب الصفة، فهم ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، يبيتون في مسجده صلّى الله عليه وسلم فينزلون صفة المسجد النبوي. وهو موضع مظلّل في مؤخرة مسجده صلّى الله عليه وسلم، يسكنه غرباء وفقراء المهاجرين إلى المدينة، ممن لم يكن لهم منزل يسكنونه. وكانوا أربعمئة رجل يلتمسون الرزق بالنهار ويأوون إلى الصفة بالليل (تفسير القرطبي، ١٢/ ١٦٨) . يخرجون في كل غزوة. وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم يدعوهم في الليل. فيفرقهم على أصحابه، وتتعشّى طائفة منهم معه صلّى الله عليه وسلم. ومنهم الصحابي الشهير أبو هريرة (حياة الصحابة، ١/ ٨١، ٣٢٧) . وأبو ذر الغفاري (حياة الصحابة، ٢/ ١٩٧) . وكان صلّى الله عليه وسلم يشرف على إطعامهم ورعايتهم بنفسه، وإذا حضر طعام يطعمهم ويسقيهم، وهو آخرهم (حياة الصحابة، ١/ ٣١٥، ٢/ ١٩٦، ٣/ ١٨٠) ، حتى استقامت أحوالهم، وذهب عنهم فقرهم بفضل هذا الدّين العظيم وسيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم التي أقامت ذلك المجتمع الفاضل، وربّت ذلك الجيل الفريد، وقدمت تلك الصور الإنسانية الفاضلة. وقد يكون بلغ عددهم في وقت أربعمئة. وأخرج البخاري أن أبا هريرة قال: رأيت سبعين من أصحاب الصّفّة، ما منهم رجل عليه رداء إما إزار وإما كساء. قد ربطوا في أعناقهم. فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. البخاري: كتاب أبواب المساجد، باب: نوم الرجال في المسجد، رقم (٤٣١) .

<<  <   >  >>